ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ". تفرد به أحمد. ثم قال تعالى بعد وصفهم بما وصفهم به " أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم " أي جزاؤهم على هذه الصفات " مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار " أي من أنواع المشروبات " خالدين فيها " أي ماكثين فيها " ونعم أجر العاملين " يمدح تعالى الجنة.
قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (137) هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين (138) ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (139) إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين (140) وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين (141) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين (142) ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون (143) يقول تعالى مخاطبا عباده المؤمنين لما أصيبوا يوم أحد وقتل منهم سبعون " قد خلت من قبلكم سنن " أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين ولهذا قال تعالى " فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ثم قال تعالى " هذا بيان للناس " يعني القرآن فيه بيان الأمور على جليتها وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم " وهدى وموعظة " يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم وهدى لقلوبكم وموعظة أي زاجر عن المحارم والمآثم. ثم قال تعالى مسليا للمؤمنين " ولا تهنوا " أي لا تضعفوا بسبب ما جرى " ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " أي إن كنتم قد أصابتكم جراح وقتل منكم طائفة فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح " وتلك الأيام نداولها بين الناس " أي نديل عليكم الأعداء تارة وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة ولهذا قال تعالى " وليعلم الله الذين آمنوا " قال ابن عباس: في مثل هذا لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء " ويتخذ منكم شهداء " يعني يقتلون في سبيله ويبذلون مهجهم في مرضاته " والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا " أي يكفر عنهم من ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به. وقوله " ويمحق الكافرين " أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم. ثم قال تعالى " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد. كما قال تعالى في سورة البقرة " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم بالبأساء والضراء وزلزلوا " الآية. وقال تعالى " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " الآية. ولهذا قال ههنا " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء.
وقوله " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " أي قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم تتمنون لقاء العدو وتحترقون عليه وتودون مناجزتهم ومصابرتهم فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه فدونكم فقاتلوا وصابروا. وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ". ولهذا قال تعالى " فقد رأيتموه " يعني الموت شاهدتموه وقت حد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرجال للقتال والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس كما تتخيل الشاة صداقة الكبش وعداوة الذئب.