وجوابنا: أن الموصوف بالنازل والمنزل هو هذه الحروف وهي محدثة بلا نزاع.
المسألة الثانية: قالت المعتزلة: اللام في قوله: * (لتخرج الناس) * لام الغرض والحكمة، وهذا يدل على أنه تعالى إنما أنزل هذا الكتاب لهذا الغرض، وذلك يدل على أن أفعال الله تعالى وأحكامه معللة برعاية المصالح.
أجاب أصحابنا عنه بأن من فعل فعلا لأجل شيء آخر فهذا إنما يفعله لو كان عاجزا عن تحصيل هذا المقصود إلا بهذه الواسطة وذلك في حق الله تعالى محال، وإذا ثبت بالدليل أن يمتنع تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه بالعلل ثبت أن كل ظاهر أشعر به فإنه مؤول محمول على معنى آخر.
المسألة الثالثة: إنما شبه الكفر بالظلمات لأنه نهاية ما يتحير الرجل فيه عن طريق الهداية وشبه الإيمان بالنور لأنه نهاية ما ينجلي به طريق هدايته.
المسألة الرابعة: قال القاضي: هذه الآية فيها دلالة على إبطال القول بالجبر من جهات: أحدها: أنه تعالى لو كان يخلق الكفر في الكافر فكيف يصح إخراجه منه بالكتاب. وثانيها: أنه تعالى أضاف الإخراج من الظلمات إلى النور إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كان خالق ذلك الكفر هو الله تعالى فكيف يصح من الرسول عليه الصلاة والسلام إخراجهم منه وكان للكافر أن يقول: إنك تقول: إن الله خلق الكفر فينا فكيف يصح منك أن تخرجنا منه فإن قال لهم: أنا أخرجكم من الظلمات التي هي كفر مستقبل لا واقع، فلهم أن يقولوا: إن كان تعالى سيخلقه فينا لم يصح ذلك الإخراج وإن لم يخلقه فنحن خارجون منه بلا إخراج. وثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم إنما يخرجهم من الكفر بالكتاب بأن يتلوه عليهم ليتدبروه وينظروا فيه فيعلموا بالنظر والاستدلال كونه تعالى عالما قادرا حكيما ويعلموا بكون القرآن معجزة صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وحينئذ يقبلوا منه كل ما أداه إليهم من الشرائع، وذلك لا يصح إلا إذا كان الفعل لهم ويقع باختيارهم، ويصح منهم أن يقدموا عليه ويتصرفوا فيه.
والجواب عن الكل أن نقول: الفعل الصادر من العبد إما أن يصدر عنه حال استواء الداعي إلى الفعل والترك أو حال رجحان أحد الطرفين على الآخر، والأول: باطل، لأن صدور الفعل رجحان لجانب الوجود على جانب العدم، وحصول الرجحان حال حصول الاستواء محال. والثاني: عين قولنا لأنه يمتنع صدور الفعل عنه إلا بعد حصول الرجحان، فإن كان ذلك الرجحان منه عاد السؤال، وإن لم يكن منه بل من الله تعالى، فحينئذ يكون المؤثر الأول هو الله تعالى وذلك هو المطلوب والله أعلم.