الشبهة في أن ذلك العزيز من هو؟ فعطف عليها قوله: * (الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * إزالة لتلك الشبهة. الثالث: قال صاحب " الكشاف ": الله عطف بيان للعزيز الحميد، وتحقيق هذا القول ما قررناه فيما تقدم. الرابع: قد ذكرنا في أول هذا الكتاب أن قولنا الله في أصل الوضع مشتق إلا أنه بالعرف صار جاريا مجرى الاسم العلم فحيث يبدأ بذكره ويعطف عليه سائر الصفات فذلك لأجل أنه جعل اسم علم، وأما في هذه الآية حيث جعل وصفا للعزيز الحميد، فذاك لأجل أنه حمل على كونه لفظا مشتقا فلا جرم بقي صفة. الخامس: أن الكفار ربما وصفوا الوثن بكونه عزيزا حميدا فلما قال: * (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) * بقي في خاطر عبدة الأوثان أنه ربما كان ذلك العزيز الحميد هو الوثن، فأزال الله تعالى هذه الشبهة وقال: * (الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * أي المراد من ذلك العزيز الحميد هو الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض.
المسألة الثانية: قوله: * (الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * يدل على أنه تعالى غير مختص بجهة العلو البتة، وذلك لأن كل ما سماك وعلاك فهو سماء، فلو حصل ذات الله تعالى في جهة فوق، لكان حاصلا في السماء، وهذه الآية دالة على أن كل ما في السماوات فهو ملكه، فلزم كونه ملكا لنفسه وهو محال، فدلت هذه الآية على أنه منزه عن الحصول في جهة فوق.
المسألة الثالثة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى خالق لأعمال العباد لأنه قال: * (له ما في السماوات وما في الأرض) * وأعمال العباد حاصلة في السماوات والأرض فوجب القول بأن أفعال العباد له بمعنى كونها مملوكة له، والملك عبارة عن القدرة فوجب كونها مقدورة لله تعالى، وإذا ثبت أنها مقدورة لله تعالى وجب وقوعها بقدرة الله تعالى، وإلا لكان العبد قد منع الله تعالى من إيقاع مقدوره وذلك محال.
واعلم أن قوله تعالى: * (له ما في السماوات وما في الأرض) * يفيد الحصر والمعنى أن ما في السماوات وما في الأرض له لا لغيره وذلك يدل على أنه لا مالك إلا الله ولا حاكم إلا الله ثم إنه تعالى لما ذكر ذلك عطف على الكفار بالوعيد فقال: * (وويل للكافرين من عذاب شديد) * والمعنى: أنهم لما تركوا عبادة الله تعالى الذي هو المالك للسموات والأرض ولكل ما فيهما إلى عبادة ما لا يملك ضرا ولا نفعا ويخلق ولا يخلق، ولا إدراك لها ولا فعل، فالويل ثم الويل لمن كان كذلك، وإنما خص هؤلاء بالويل، لأن المعنى يولولون من عذاب شديد ويصيحون منه ويقولون يا ويلاه. ونظيره قوله تعالى: * (دعوا هنالك ثبورا) * (الفرقان: 13) ثم بين تعالى صفة هؤلاء الكافرين الذين توعدهم بالويل الذي