أما قوله: * (وذكرهم بأيام الله) * فاعلم أنه تعالى أمر موسى عليه السلام في هذا المقام بشيئين: أحدهما: أن يخرجهم من ظلمات الكفر، والثاني: أن يذكرهم بأيام الله، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال الواحدي: أيام جمع يوم، واليوم هو مقدار المدة من طلوع الشمس إلى غروبها، وكانت الأيام في الأصل أيوام فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون، فأدغمت إحداهما في الأخرى وغلبت الياء.
المسألة الثانية: أنه يعبر بالأيام عن الوقائع العظيمة التي وقعت فيها. يقال: فلان عالم بأيام العرب ويريد وقائعها وفي المثل من ير يوما ير له معناه من رؤي في يوم مسرورا بمصرع غيره ير في يوم آخر حزينا بمصرع نفسه وقال تعالى: * (وتلك الأيام نداولها بين الناس) * (آل عمران: 140).
إذا عرفت هذا، فالمعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد، فالترغيب والوعد أن يذكرهم ما أنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل في سائر ما سلف من الأيام، والترهيب والوعيد: أن يذكرهم بأس الله وعذابه وانتقامه ممن كذب الرسل ممن سلف من الأمم فيما سلف من الأيام، مثل ما نزل بعاد وثمود وغيرهم من العذاب، ليرغبوا في الوعد فيصدقوا ويجذروا من الوعيد فيتركوا التكذيب.
واعلم أن أيام الله في حق موسى عليه السلام منها ما كان أيام المحنة والبلاء وهي الأيام التي كانت بنو إسرائيل فيها تحت قهر فرعون ومنها ما كان أيام الراحة والنعماء مثل إنزال المن والسلوى وانفلاق البحر وتظليل الغمام.
ثم قال تعالى: * (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * والمعنى أن في ذلك التذكير والتنبيه دلائل لمن كان صبارا شكورا، لأن الحال إما أن يكون حال محنة وبلية أو حال منحة وعطية فإن كان الأول، كان المؤمن صبارا، وإن كان الثاني كان شكورا. وهذا تنبيه على أن المؤمن يجب أن لا يخلو زمانه عن أحد هذين الأمرين فإن جرى الوقت على ما يلائم طبعه ويوافق إرادته كان مشغولا بالشكر، وإن جرى ما لا يلائم طبعه كان مشغولا بالصبر.
فإن قيل: إن ذلك التذكيرات آيات للكل فلماذا خص الصبار الشكور بها؟
قلنا: فيه وجوه: الأول: أنهم لما كانوا هم المنتفعون بتلك الآيات صارت كأنها ليست آيات إلا لهم كما في قوله: * (هدى للمتقين) * وقوله: * (إنما أنت منذر من يخشاه) *. والثاني: لا يبعد أن يقال: الانتفاع بهذا النوع من التذكير لا يمكن حصوله إلا لمن كان صابرا أو شاكرا، أما الذي لا يكون كذلك لم ينتفع بهذه الآيات.