الكناية في قوله * (به) * والتقدير يحكم بذلك المثل شاة أو بقرة أو بدنة فالضمير في قوله * (به) * عائد إلى المثل والهدي حال منه، وعند التفطن لهذين الاعتبارين فمن الذي يرتاب في أو الواجب هو المثل من طريق الخلقة والله أعلم. المسألة الثانية: قوله * (بالغ الكعبة) * صفة لقوله * (هديا) * لأن إضافته غير حقيقية، تقديره بالغا الكعبة لكن التنوين قد حذف استخفافا ومثله * (عارض ممطرنا) * (الأحقاف: 24). المسألة الثالثة: سميت الكعبة كعبة لارتفاعها وتربعها، والعرب تسمي كل بيت مربع كعبة والكعبة إنما أريد بها كل الحرم لأن الذبح والنحر لا يقعان في الكعبة ولا عندها ملازقا لها ونظير هذه الآية قوله * (ثم محلها إلى البيت العتيق) * (الحج: 33). المسألة الرابعة: معنى بلوغه الكعبة، أن يذبح بالحرم فإن دفع مثل الصيد المقتول إلى الفقراء حيا لم يجز بل يجب عليه ذبحه في الحرم، وإذا ذبحه في الحرم. قال الشافعي رحمه الله: يجب عليه أن يتصدق به في الحرم أيضا. وقال أبو حنيفة رحمه الله: له أن يتصدق به حيث شاء، وسلم الشافعي أن له أن يصوم حيث شاء، لأنه لا منفعة فيه لمساكين الحرم. حجة الشافعي: أن نفس الذبح إيلام، فلا يجوز أن يكون قربة، بل القربة هي إيصال اللحم إلى الفقراء، فقوله: * (هديا بالغ الكعبة) * يوجب إيصال تلك الهدية إلى أهل الحرم والكعبة. وحجة أبي حنيفة رحمه الله: أنها لما وصلت إلى الكعبة فقد صارت هديا بالغ الكعبة، فوجب أن يخرج عن العهدة. ثم قال تعالى: * (أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ نافع وابن عامر * (أو كفارة طعام) * على إضافة الكفارة إلى الطعام، والباقون * (أو كفارة) * بالرفع والتنوين طعام بالرفع من غير التنوين، أما وجه القراءة الأولى: فهي أنه تعالى لما خير المكلف بين ثلاثة أشياء: الهدي، والصيام، والطعام، حسنت الإضافة، فكأنه قيل كفارة طعام لا كفارة هدي، ولا كفارة صيام، فاستقامت الإضافة لكون الكفارة من هذه الأشياء، وأما وجه قراءة من قرأ * (أو كفارة) * بالتنوين، فهو أنه عطف على قوله * (فجزاء) * و * (طعام مساكين) * عطف بيان، لأن الطعام هو الكفارة ولم تضف الكفارة إلى الطعام، لأن الكفارة ليست للطعام، وإنما الكفارة لقتل الصيد. المسألة الثانية: قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة رحمهم الله: كلمة * (أو) * في هذه الآية للتخيير، وقال أحمد وزفر: إنها للترتيب.
(٩٤)