ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه يصوم لكل نصف صاع يوما، والأصل في هذه المسألة أنهما توافقا على أن الصوم مقدر بطعام يوم، إلا أن طعام اليوم عند الشافعي مقدر بالمد، وعند أبي حنيفة رحمه الله مقدر بنصف صاع على ما ذكرناه في كفارة اليمين. المسألة السابعة: زعم جمهور الفقهاء أن الخيار في تعيين أحد هذه الثلاثة إلى قاتل الصيد. وقال محمد بن الحسن رحمه الله إلى الحكمين: حجة الجمهور أنه تعالى أوجب على قاتل الصيد أحد هذه الثلاثة على التخيير، فوجب أن يكون قاتل الصيد مخيرا بين أيها شاء، وحجة محمد رحمه الله أنه تعالى جعل الحياة إلى الحكمين فقال * (يحكم به ذوا عدل منك هديا) * أي كذا وكذا. وجوابنا: أن تأويل الآية * (فجزاء مثل ما قتل من النعم... أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) * وأما الذي يحكم به ذوا عدل فهو تعيين المثل، إما في القيمة أو في الخلقة. ثم قال تعالى: * (ليذوق وبال أمره) * وفيه مسألتان: المسألة الأولى: الوبال في اللغة: عبارة عما فيه من الثقل والمكروه. يقال: مرعى وبيل إذا كان فيه وخامة، وماء وبيل إذا لم يستمر، أو الطعام الوبيل الذي يثقل على المعدة فلا ينهضم، قال تعالى: * (فأخذناه أخذا وبيلا) * (المزمل: 16) أي ثقيلا. المسألة الثانية: إنما سمى الله تعالى ذلك وبالا لأنه خيره بين ثلاثة أشياء: اثنان منها توجب تنقيص المال، وهو ثقيل على الطبع، وهما الجزاء بالمثل والاطعام، والثالث: يوجب إيلام البدن وهو الصوم، وذلك أيضا ثقيل على الطبع، والمعنى: أنه تعالى أوجب على قاتل الصيد أحد هذه الأشياء التي كل واحد منها ثقيل على الطبع حتى يحترز عن قتل الصيد في الحرم وفي حال الإحرام. ثم قال تعالى: * (عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام) * وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في الآية وجهان: الأول: عفا الله عما مضى في الجاهلية وعما سلف قبل التحريم في الإسلام. القول الثاني: وهو قول من لا يوجب الجزاء إلا في المرة الأولى، أما في المرة الثانية فإنه لا يوجب الجزاء عليه ويقول إنه أعظم من أن يكفره التصدق بالجزاء، فعلى هذا المراد: عفا الله عمال سلف في المرة الأولى بسبب أداء الجزاء، ومن عاد إليه مرة ثانية فلا كفارة لجرمه بل ينتقم الله منه. وحجة هذا القول: أن الفاء في قوله * (فينتقم الله منه) * فاء الجزاء، والجزاء هو الكافي،
(٩٦)