الثاني: في تأويل الآية أن السؤال على قسمين. أحدهما: السؤال عن شيء لم يجز ذكره في الكتاب والسنة بوجه من الوجوه، فهذا السؤال منهي عنه بقوله * (لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم) *. والنوع الثاني من السؤال: السؤال عن شيء نزل به لقرآن لكن السامع لم يفهمه كما ينبغي فههنا السؤال واجب، وهو المراد بقوله * (وان تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم) * والفائدة في ذكر هذا القسم أنه لما منع في الآية الأولى من السؤال أوهم أن جميع أنواع السؤال ممنوع منه فذكر ذلك تمييزا لهذا القسم عن ذلك القسم. فإن قيل قوله * (وأن تسألوا عنها) * هذا الضمير عائد إلى الأشياء المذكورة في قوله * (لا تسألوا عن أشياء) * فكيف يعقل في * (أشياء) * بأعيانها أن يكون السؤال عنها ممنوعا وجائزا معا. قلنا: الجواب عنه من وجهين: الأول: جائز أن يكون السؤال عنها ممنوعا قبل نزول القرآن بها ومأمورا به بعد نزول القرآن بها، والثاني: أنهما وإن كانا نوعين مختلفين، إلا أنهما في كون كل واحد منهما مسؤولا عنه شيء واحد، فلهذا حسن اتحاد الضمير وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين. الوجه الثالث في تأويل الآية: إن قوله * (لا تسألوا عن أشياء) * دل على سؤالاتهم عن تلك الأشياء، فقوله * (وإن تسألوا عنها) * أي وإن تسألوا عن تلك السؤالات حين ينزل القرآن لكم أن تلك السؤالات هل هي جائزة أم لا، والحاصل أن المراد من هذه الآية أنه يجب السؤال أولا، وأنه هل يجوز السؤال عن كذا وكذا أم لا. ثم قال تعالى: * (عفا الله عنها) * وفيه وجوه: الأول: عفا الله عما سلف من مسائلكم وإغضابكم للرسول بسببها، فلا تعودوا إلى مثلها. الثاني: أنه تعالى ذكر أن تلك الأشياء التي سألوا عنها إن أبديت لهم ساءتهم، فقال * (عفا الله عنها) * يعني عما ظهر عند تلك السؤالات مما يسؤكم ويثقل ويشق في التكليف عليكم. الثالث: في الآية تقديم وتأخير، والتقدير: لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها في الآية * (إن تبد لكم تسؤكم) * وهذا ضعيف لأن الكلام إذا استقام من غير تغيير النظم لم يجز المصير إلى التقديم والتأخير، وعلى هذا الوجه فقوله * (عفا الله عنها) * أي أمسك عنها وكف عن ذكرها ولم يكلف فيها بشيء، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: " عفوت لكم عن صدقة الخيل، والرقيق " أي خففت عنكم بإسقاطها. ثم قال تعالى: * (والله غفور حليم) * وهذه الآية تدل على أن المراد من قوله عفا الله عنها ما ذكرناه في الوجه الأول.
(١٠٧)