وعابوا هذه القراءة على حمزة ولحنوه ونسبوه إلى ما لا يجوز ذكره، وقال قوم: إنها ليست بلحن ولا خطأ، وذكروا فيها وجوها: الأول: أن العبد هو العبد إلا أنهم ضموا الباء للمبالغة، كقولهم: رجل حذر وفطن للبليغ في الحذر والفطنة، فتأويل عبد الطاغوت أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان، وهذا أحسن الوجوه. الثاني: أن العبد، والعبد لغتان كقولهم: سبع وسبع. والثالث: أن العبد جمعه عباد، والعباد جمعه عبد، كثمار وثمر. ثم استثقلوا ضمتين متواليتين فأبدلت الأولى بالفتحة. الرابع: يحتمل أنه أراد أعبد الطاغوت، فيكون مثل فلس وأفلس، ثم حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى العين. الخامس: يحتمل أنه أراد: وعبدة الطاغوت كما قرئ، ثم حذف الهاء وضم الباء لئلا يشتبه بالفعل. المسألة السادسة: قوله * (وعبد الطاغوت) * قال الفراء: تأويله وجعل منهم القردة ومن عبد الطاغوت، فعلى هذا: الموصول محذوف. المسألة السابعة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفر بقضاء الله. قالوا: لأن تقدير الآية وجعل الله منهم من عبد الطاغوت، وإنما يعقل معنى هذا الجعل إذا كان هو الذي جعل فيهم تلك العبادة، إذ لو كان جعل تلك العبادة منهم لكان الله تعالى ما جعلهم عبدة الطاغوت، بل كانوا هم الذين جعلوا أنفسهم كذلك، وذلك على خلاف الآية. قالت المعتزلة: معناه أنه تعالى حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * (الزخرف: 19) والكلام فيه قد تقدم مرارا. المسألة الثامنة: قيل: الطاغوت العجل، وقيل: الطاغوت الأحبار، وكل من أطاع أحدا في معصية الله فقد عبده. ثم قال تعالى: * (أولئك شر مكانا) * أي أولئك الملعونون الممسوخون شر مكانا من المؤمنين، وفي لفظ المكان وجهان: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن مكانهم سقر، ولا مكان أشد شرا منه. والثاني: أنه أضعف الشر في اللفظ إلى المكان وهو في الحقيقة لأهله، وهو من باب الكناية كقولهم: فلان طويل النجاد كثير الرماد، ويرجع حاصله إلى الإشارة إلى الشيء بذكر لوازمه وتوابعه. ثم قال: * (وأضل عن سواء السبيل) * أي عن قصد السبيل والدين الحق. قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية عبر المسلمون أهل الكتاب وقالوا: يا إخوان القردة والخنازير، فافتضحوا ونكسوا رؤوسهم.
(٣٧)