الزكاة وهم راكعون) * (المائدة: 55) فكانت هذه الآية مطابقة لما قبلها مؤكدة لمعناها فكان ذلك أولى، فثبت بهذه الوجوه أن الولاية المذكورة في هذه الآية يجب أن تكون بمعنى النصرة لا بمعنى التصرف.
أما الوجه الذي عولوا عليه وهو أن الولاية المذكورة في الآية غير عامة، والولاية بمعنى النصرة عامة، فجوابه من وجهين: الأول: لا نسلم أن الولاية المذكورة في الآية غير عامة، ولا نسلم أن كلمة * (إنما) * للحصر، والدليل عليه قوله * (إنما مثل الحياة الدنيا كما أنزلناه من السماء) * (يونس: 24) ولا شك أن الحياة الدنيا لها أمثال أخرى سوى هذا المثل، وقال * (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) * (محمد: 36) ولا شك أن اللعب واللهو قد يحصل في غيرها. الثاني: لا نسلم أن الولاية بمعنى النصرة عامة في كل المؤمنين، وبيانه أنه تعالى قسم المؤمنين قسمين: أحدهما: الذين جعلهم موليا عليهم وهم المخاطبون بقوله * (إنما وليكم الله) * والثاني: الأولياء، وهم المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، فإذا فسرنا الولاية ههنا بمعنى النصرة كان المعنى أنه تعالى جعل أحد القسمين أنصارا للقسم الثاني. ونصرة القسم الثاني غير حاصلة لجميع المؤمنين، ولو كان كذلك لزم في القسم الذي هم المنصورون أن يكونوا ناصرين لأنفسهم، وذلك محال، فثبت أن نصرة أحد قسمي الأمة غير ثابتة لكل الأمة، بل مخصوصة بالقسم الثاني من الأمة، فلم يلزم من كون الولاية المذكورة في هذه الآية خاصة أن لا تكون بمعنى النصرة، وهذا جواب حسن دقيق لا بد من التأمل فيه. وأما استدلالهم بأن الآية نزلت في حق علي فهو ممنوع، فقد بينا أن أكثر المفسرين زعموا أنه في حق الأمة، والمراد أن الله تعالى أمر المسلم أن لا يتخذ الحبيب والناصر إلا من المسلمين، ومنهم من يقول: إنها نزلت في حق أبي بكر.
وأما استدلالهم بأن الآية مختصة بمن أدى الزكاة في الركوع، وذلك هو علي بن أبي طالب فنقول: هذا أيضا ضعيف من وجوه: الأول: أن الزكاة اسم للواجب لا للمندوب بدليل قوله تعالى * (وأتوا الزكاة) * (البقرة: 43) فلو أنه أدى الزكاة الواجبة في حال كونه في الركوع لكان قد أخر أداء الزكاة الواجب عن أول أوقات الوجوب، وذلك عند أكثر العلماء معصية، وأنه لا يجوز إسناده إلى علي عليه السلام، وحمل الزكاة على الصدقة النافلة خلاف الأصل لما بينا أن قوله * (وآتوا الزكاة) * ظاهرة يدل على أن كل ما كان زكاة فهو واجب. الثاني: هو أن اللائق بعلي عليه السلام أن يكون مستغرق القلب بذكر الله حال ما يكون في الصلاة، والظاهر أن من كان كذلك فإنه لا يتفرغ لاستماع كلام الغير ولفهمه، ولهذا قال تعالى: * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا