الولاية المأمور بها ههنا هي المنهي عنها فيما قبل، ولما كانت الولاية المنهي عنها فيما قبل هي الولاية بمعنى النصرة كانت الولاية المأمور بها هي الولاية بمعنى النصرة، وأما ما بعد هذه الآية فهي قوله * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله أن كنتم مؤمنين) * (المائدة: 57) فأعاد النهي عن اتخاذ اليهود والنصارى والكفار أولياء، ولا شك أن الولاية المنهي عنها هي الولاية بمعنى النصرة، فكذلك الولاية في قوله * (إنما وليكم الله) * يجب أن تكون هي بمعنى النصرة، وكل من أنصف وترك التعصب وتأمل في مقدمة الآية وفي مؤخرها قطع بأن الولي في قوله * (إنما وليكم الله) * ليس إلا بمعنى الناصر والمحب، ولا يمكن أن يكون بمعنى الإمام، لأن ذلك يكون إلقاء كلام أجنبي فيما بين كلامين مسوقين لغرض واحد، وذلك يكون في غاية الركاكة والسقوط، ويجب تنزيه كلام الله تعالى عنه. الحجة الثانية: أنا لو حملنا الولاية على التصرف والإمامة لما كان المؤمنون المذكورين في الآية موصوفين بالولاية حال نزول الآية، لأن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما كان نافذ التصرف حال حياة الرسول، والآية تقتضي كون هؤلاء المؤمنون موصوفين بالولاية في الحال، أما لو حملنا الولاية على المحبة والنصرة كانت الولاية حاصلة في الحال، فثبت أن حمل الولاية على المحبة أولى من حملها على التصرف، والذي يؤكد ما قلناه أنه تعالى منع المؤمنين من اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، ثم أمرهم بموالاة هؤلاء المؤمنين، فلا بد وأن تكون موالاة هؤلاء المؤمنين حاصلة في الحال حتى يكون النفي والإثبات متواردين على شيء واحد، ولما كانت الولاية بمعنى التصرف غير حاصلة في الحال امتنع حمل الآية عليها. الحجة الثالثة: أنه تعالى ذكر المؤمنين الموصوفين في هذه الآية بصيغة الجمع في سبعة مواضع وهي قوله * (والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * وحمل ألفاظ الجمع وإن جاز على الواحد على سبيل التعظم لكنه مجاز لا حقيقة، والأصل حمل الكلام على الحقيقة. الحجة الرابعة: أنا قد بينا بالبرهان البين أن الآية المتقدمة وهي قوله * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) * (المائدة: 54) إلى آخر الآية من أقوى الدلائل على صحة إمامة أبي بكر، فلو دلت هذه الآية على صحة إمامة علي بعد الرسول لزم التناقض بين الآيتين، وذلك باطل، فوجب القطع بأن هذه الآية لا دلالة فيها على أن عليا هو الإمام بعد الرسول.
الحجة الخامسة: أن علي بن أبي طالب كان أعرف بتفسير القرآن من هؤلاء الروافض، فلو كانت هذه الآية دالة على إمامته لاحتج بها في محفل من المحافل، وليس للقوم أن يقولوا: إنه