بالحراب والأمر والنهي، فزال السؤال، فثبت أنه لا يمكن أن يكون المراد هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أيضا أن يكون المراد هو علي عليه السلام، لأن عليا لم يتفق له قتال مع أهل الردة، فكيف تحمل هذه الآية عليه.
فإن قالوا: بل كان قتاله مع أهل الردة لأن كل من نازعه في الإمامة كان مرتدا. قلنا: هذا باطل من وجهين: الأول: أن اسم المرتد إنما يتناول من كان تاركا للشرائع الإسلامية، والقوم الذين نازعوا عليا ما كانوا كذلك في الظاهر، وما كان أحد يقول: إنه إنما يحاربهم لأجل أنهم خرجوا عن الإسلام، وعلي عليه السلام لم يسمهم البتة بالمرتدين، فهذا الذي يقوله هؤلاء الروافض لعنهم الله بهت على جميع المسلمين وعلى علي أيضا. الثاني: أنه لو كان كل من نازعه في الإمامة كان مرتدا لزم في أبي بكر وفي قومه أن يكونوا مرتدين، ولو كان كذلك لوجب بحكم ظاهر الآية أن يأتي الله بقوم يقهرونهم ويردونهم إلى الدين الصحيح، ولما لم يوجد ذلك البتة علمنا أن منازعة علي في الإمامة لا تكون ردة، وإذا لم تكن ردة لم يمكن حمل الآية على علي، لأنها نازلة فيمن يحارب المرتدين، ولا يمكن أيضا أن يقال: إنها نازلة في أهل اليمن أو في أهل فارس، لأنه لم يتفق لهم محاربة مع المرتدين، وبتقدير أن يقال: اتفقت لهم هذه المحاربة ولكنهم كانوا رعية وأتباعا وأذنابا، وكان الرئيس المطاع الأمر في تلك الواقعة هو أبو بكر، ومعلوم أن حمل الآية على من كان أصلا في هذه العبادة ورئيسا مطاعا فيها أولى من حملها على الرعية والأتباع والأذناب، فظهر بما ذكرنا من الدليل الظاهر أن هذه الآية مختصة بأبي بكر. والوجه الثاني في بيان أن هذه الآية مختصة بأبي بكر: هو أنا نقول: هب أن عليا كان قد حارب المرتدين، ولكن محاربة أبي بكر مع المرتدين كانت أعلى حالا وأكثر موقعا في الإسلام من محاربة علي مع من خالفه في الإمامة، وذلك لأنه علم بالتواتر أنه صلى الله عليه وسلم لما توفي اضطربت الأعراب وتمردوا، وأن أبا بكر هو الذي قهر مسيلمة وطليحة، وهو الذي حارب الطوائف السبعة المرتدين، وهو الذي حارب مانعي الزكاة، ولما فعل ذلك استقر الإسلام وعظمت شوكته وانبسطت دولته. أما لما انتهى الأمر إلى علي عليه السلام فكان الإسلام قد انبسط في الشرق والغرب، وصار ملوك الدنيا مقهورين، وصار الإسلام مستوليا على جميع الأديان والملل، فثبت أن محاربة أبي بكر رضي الله عنه أعظم تأثيرا في نصرة الإسلام وتقويته من محاربة علي عليه السلام، ومعلوم أن المقصود من هذه الآية تعظيم قوم يسعون في تقوية الدين ونصرة الإسلام، ولما كان أبو بكر هو المتولي لذلك وجب أن يكون هو المراد بالآية.