على إثبات اليد لله تعالى آمنا به، والعقل لما دل على أنه يمتنع أن تكون يد الله عبارة عن جسم مخصوص وعضو مركب من الأجزاء والأبعاض آمنا به، فأما أن اليد ما هي وما حقيقتها فقد فوضنا معرفتها إلى الله تعالى، وهذا هو طريقة السلف. وأما المتكلمون فقالوا: اليد تذكر في اللغة على وجوه: أحدها: الجارحة وهو معلوم، وثانيها: النعمة، قوله: لفلان عندي يد أشكره عليها، وثالثها: القوة قال تعالى * (أولي الأيدي والأبصار) * (ص: 45) فسروه بذوي القوى والعقول، وحكى سيبويه أنهم قالوا: لا يد لك بهذا، والمعنى سلب كمال القدرة ورابعها: الملك، يقال: هذه الضيعة في يد فلان، أي في ملكه. قال تعالى: * (الذي بيده عقدة النكاح) * (البقرة: 237) أي يملك ذلك، وخامسها: شدة العناية والاختصاص. قال تعالى: * (لما خلقت بيدي) * (ص: 75) والمراد تخصيص آدم عليه السلام بهذا التشريف، فإنه تعالى هو الخالق لجميع المخلوقات. ويقال: يدي لك رهن بالوفاء إذا ضمن له شيئا. إذا عرفت هذا فنقول: اليد في حق الله يمتنع أن تكون بمعنى الجارحة، وأما سائر المعاني فكلها حاصلة. وههنا قول آخر، وهو أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله زعم في بعض أقواله أن اليد صفة قائمة بذات الله تعالى، وهي صفة سوى القدرة من شأنها التكوين على سبيل الاصطفاء قال: والذي يدل عليه أنه تعالى جعل وقوع خلق آدم بيديه علة لكرامة آدم واصطفائه، فلو كانت اليد عبارة عن القدرة لامتنع كونه علة للاصطفاء، لأن ذلك حاصل في جميع المخلوقات، فلا بد من إثبات صفة أخرى وراء القدرة يقع بها الخلق والتكوين على سبيل الاصطفاء، وأكثر العلماء زعموا أن اليد في حق الله تعالى عبارة عن القدرة وعن النعمة. فإن قيل: إن فسرتم اليد في حق الله تعالى بالقدرة فهذا مشكل؛ لأن قدرة الله تعالى واحدة ونص القرآن ناطق بإثبات اليدين تارة، وبإثبات الأيدي أخرى، وإن فسرتموها بالنعمة فنص القرآن ناطق بإثبات اليدين، ونعم الله غير محدودة كما قال تعالى: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * (إبراهيم: 34) (النحل: 18). والجواب: إن اخترنا تفسير اليد بالقدرة كان الجواب عن الاشكال المذكور أن القوم جعلوا قولهم * (يد الله مغلولة) * كناية عن البخل، فأجيبوا على وفق كلامهم، فقيل * (بل يداه مبسوطتان) * أي ليس الأمر على ما وصفتموه به من البخل، بل هو جواد على سبيل الكمال. فإن من أعطى بيده أعطى على أكمل الوجوه، وأما إن اخترنا تفسير اليد بالنعمة كان الجواب عن الاشكال المذكور من وجهين: الأول: أنه نسبة بحسب الجنس، ثم يدخل تحت كل واحد من الجنسين أنواع لا نهاية لها، فقيل: نعمتاه نعمة الدين ونعمة الدنيا، أو نعمة الظاهر ونعمة الباطن، أو نعمة النفع ونعمة
(٤٣)