فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إنه كان موصوفا بهذه الصفات حال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد وفاته لما شرع في الإمامة زالت هذه الصفات وبطلت. قلنا: هذا باطل قطعا لأنه تعالى قال: * (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) * فأثبت كونهم موصوفين بهذه الصفة حال إتيان الله بهم في المستقبل، وذلك يدل على شهادة الله له بكونه موصوفا بهذه الصفات حال محاربته مع أهل الردة، وذلك هو حال إمامته، فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على صحة إمامته، أما قول الروافض لعنهم الله: إن هذه الآية في حق علي رضي الله عنه بدليل أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " وكان ذلك هو علي عليه السلام، فنقول: هذا الخبر من باب الآحاد، وعندهم لا يجوز التمسك به في العمل، فكيف يجوز التمسك به في العلم، وأيضا إن إثبات هذه الصفة لعلي لا يوجب انتفاءها عن أبي بكر، وبتقدير أن يدل على ذلك لكنه لا يدل على انتفاء ذلك المجموع عن أبي بكر، ومن جملة تلك الصفات كونه كرارا غير فرار، فلما انتفى ذلك عن أبي بكر لم يحصل مجموع تلك الصفات له، فكفى هذا في العمل بدليل الخطاب، فأما انتفاء جميع تلك الصفات فلا دلالة في اللفظ عليه، فهو تعالى إنما أثبت هذه الصفة المذكورة في هذه الآية حال اشتغاله بمحاربة المرتدين بعد ذلك فهب أن تلك الصفة ما كانت حاصلة في ذلك الوقت، فلم يمنع ذلك من حصولها في الزمان المستقبل، ولأن ما ذكرناه تمسك بظاهر القرآن، وما ذكروه تمسك بالخبر المذكور المنقول بالآحاد، ولأنه معارض بالأحاديث الدالة على كون أبي بكر محبا لله ولرسوله. وكون الله محبا له وراضيا عنه. قال تعالى في حق أبي بكر * (ولسوف يرضى) * (الليل: 21) وقال عليه الصلاة والسلام: " إن الله يتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة " وقال: " ما صب الله شيئا في صدري إلا وصبه في صدر أبي بكر " وكل ذلك يدل على أنه كان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
وأما الوجه الثاني: وهو قولهم: الآية التي بعد هذه الآية دالة على إمامة علي فوجب أن تكون هذه الآية نازلة في علي، فجوابنا: أنا لا نسلم دلالة الآية التي بعد هذه الآية على إمامة على وسنذكر الكلام فيه إن شاء الله تعالى، فهذا ما في هذا الموضع من البحث والله أعلم. أما قوله تعالى: * (يحبهم ويحبونه) * فتحقيق الكلام في المحبة ذكرناه في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * (البقرة: 165) فلا فائدة في الإعادة. وفيه دقيقة وهي أنه تعالى قدم محبته لهم على محبتهم له، وهذا حق لأنه لولا أن الله أحبهم وإلا لما وفقهم حتى صاروا محبين له.
ثم قال تعالى: * (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) * وهو كقوله * (أشداء على الكفار رحماء