المقام الثالث في هذه الآية: وهو أنا ندعي دلالة هذه الآية على صحة إمامة أبي بكر، وذلك لأنه لما ثبت بما ذكرنا أن هذه الآية مختصة به فنقول: إنه تعالى وصف الذين أرادهم بهذه الآية بصفات: أولها: أنه يحبهم ويحبونه. فلما ثبت أن المراد بهذه الآية هو أبو بكر ثبت أن قوله * (يحبهم ويحبونه) * وصف لأبي بكر، ومن وصفه الله تعالى بذلك يمتنع أن يكون ظالما، وذلك يدل على أنه كان محقا في إمامته، وثانيها: قوله * (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) * وهو صفة أبي بكر أيضا الدليل الذي ذكرناه، ويؤكده ما روي في الخبر المستفيض أنه عليه الصلاة والسلام قال: " ارحم أمتي بأمتي أبو بكر " فكان موصوفا بالرحمة والشفقة على المؤمنين وبالشدة مع الكفار، ألا ترى أن في أول الأمر حين كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة وكان في غاية الضعف كيف كان يذب عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وكيف كان يلازمه ويخدمه، وما كان يبالي بأحد من جبابرة الكفار وشياطينهم، وفي آخر الأمر أعني وقت خلافته كيف لم يلتفت إلى قول أحد، وأصر على أنه لا بد من المحاربة مع مانعي الزكاة حتى آل الأمر إلى أن خرج إلى قتال القوم وحده، حتى جاء أكابر الصحابة وتضرعوا إليه ومنعوه من الذهاب، ثم لما بلغ بعث العسكر إليهم انهزموا وجعل الله تعالى ذلك مبدأ لدولة الإسلام، فكان قوله * (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) * لا يليق إلا به، وثالثها: قوله * (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) * فهذا مشترك فيه بين أبي بكر وعلي، إلا أن حظ أبي بكر فيه أتم وأكمل، وذلك لأن مجاهدة أبي بكر مع الكفار كانت في أول البعث، وهناك الإسلام كان في غاية الضعف، والكفر كان في غاية القوة، وكان يجاهد الكفار بمقدار قدرته، ويذب عن رسول الله بغاية وسعه، وأما علي عليه السلام فإنه إنما شرع في الجهاد يوم بدر وأحد، وفي ذلك الوقت كان الإسلام قويا وكانت العساكر مجتمعة، فثبت أن جهاد أبي بكر كان أكمل من جهاد علي من وجهين: الأول: أنه كان متقدما عليه في الزمان، فكان أفضل لقوله تعالى: * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) * (الحديد: 10) والثاني: أن جهاد أبي بكر كان في وقت ضعف الرسول صلى الله عليه وسلم، وجهاد علي كان في وقت القوة، ورابعها: قوله * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) * وهذا لائق بأبي بكر لأنه متأكد بقوله تعالى: * (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة) * (النور: 22) وقد بينا أن هذه الآية في أبي بكر، ومما يدل على أن جميع هذه الصفات لأبي بكر أنا بينا بالدليل أن هذه الآية لا بد وأن تكون في أبي بكر، ومتى كان الأمر كذلك كانت هذه الصفات لا بد وأن تكون لأبي بكر، وإذا ثبت هذا وجب القطع بصحة إمامته، إذ لو كانت إمامته باطلة لما كانت هذه الصفات لائقة به.
(٢٢)