رسولا وما نرى أحدا يصدقك وقد سألنا اليهود والنصارى عنك فزعموا أنه لا ذكر لك عندهم بالنبوة فأرنا من يشهد لك بالنبوة، فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال قل يا محمد أي شيء أكبر شهادة من الله حتى يعترفوا بالنبوة، فإن أكبر الأشياء شهادة هو الله سبحانه وتعالى فإذا اعترفوا بذلك فقل إن الله شهيد لي بالنبوة لأنه أوحي إلي هذا القرآن وهذا القرآن معجز، لأنكم أنتم الفصحاء والبلغاء وقد عجزتم عن معارضته فإذا كان معجزا، كان إظهار الله إياه على وفق دعواي شهادة من الله على كوني صادقا في دعواي. والحاصل: أنهم طلبوا شاهدا مقبول القول يشهد على نبوته فبين تعالى أن أكبر الأشياء شهادة هو لله، ثم بين أنه شهد له بالنبوة وهو المراد من قوله * (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) * فهذا تقرير واضح. وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يكون المراد حصول هذه الشهادة في وحدانية الله تعالى. فاعلم أن هذا الكلام يجب أن يكون مسبوقا بمقدمة، وهي أنا نقول: المطالب على أقسام ثلاثة: منها ما يمتنع إثباته بالدلائل السمعية فإن كل ما يتوقف صحة السمع على صحته امتنع إثباته بالسمع، وإلا لزم الدور. ومنها ما يمتنع إثباته بالعقل وهو كل شيء يصح وجوده ويصح عدمه عقلا، فلا امتناع في أحد الطرفين أصلا، فالقطع على أحد الطرفين يعينه لا يمكن إلا بالدليل السمعي، ومنها ما يمكن إثباته بالعقل والسمع معا، وهو كل أمر عقلي لا يتوقف على العلم به، فلا جرم أمكن إثباته بالدلائل السمعية. إذا عرفت هذا فنقول: قوله * (قل الله شهيد بيني وبينكم) * في إثبات الوحدانية والبراءة عن الشركاء والأضداد والأنداد والأمثال والأشباه. ثم قال: * (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) * أي إن القول بالتوحيد هو الحق الواجب، وأن القول بالشرك باطل مردود. المسألة الثانية: نقل عن جهم أنه ينكر كونه تعالى شيئا. واعلم أنه لا ينازع في كونه تعالى ذاتا موجودا وحقيقة إلا أنه ينكر تسميته تعالى بكونه شيئا، فيكون هذا خلافا في مجرد العبارة. واحتج الجمهور على تسمية الله تعالى بالشيء بهذه الآية وتقريره أنه قال أي الأشياء أكبر شهادة ثم ذكر في الجواب عن هذا السؤال قوله * (قل الله) * وهذا يوجب كونه تعالى شيئا، كما أنه لو قال: أي الناس أصدق، فلو قيل: جبريل، كان هذا الجواب خطأ لأن جبريل ليس من الناس فكذا ههنا. فإن قيل: قوله * (قل الله شهيد بيني وبينكم) * كلام تام مستقبل بنفسه لا تعلق له بما قبله لأن
(١٧٦)