الثاني كان متبعضا متجزئا، وذلك على الله محال. والثاني: أنه إما أن يكون غير متناه من كل الجهات وحينئذ يصح عليه الزيادة والنقصان. وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بمقداره المعين لتخصيص مخصص، فيكون محدثا أو يكون متناهيا من بعض الجوانب دون البعض، فيكون الجانب الموصوف بكونه متناهيا غير الجانب الموصوف بكونه غير متناه وذلك يوجب القسمة والتجزئة. والثالث: إما أن يفسر المكان بالسطح الحاوي أو بالبعد والخلاء. فإن كان الأول: فنقول أجسام العالم متناهية فخارج العالم لا خلا ولا ملا ولا مكان ولا حيث ولا جهة، فيمتنع حصول ذات الله تعالى فيه. وإن كان الثاني فنقول الخلاء متساوي الأجزاء في حقيقته وإذا كان كذلك، فلو صح حصول الله في جزء من أجزاء ذلك الخاء لصح حصوله في سائر الأجزاء، ولو كان كذلك لكان حصوله فيه بتخصيص مخصص، وكل ما كان واقعا بالفاعل المختار فهو محدث، فحصول ذاته في الجزء محدث. وذاته لا تنفك عن ذلك الحصول وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث، فيلزم كون ذاته محدثة ومفتقر إلى الموجد ويكون موجده قبله فيكون ذات الله تعالى قد كانت موجودة قبل وجود الخلاء والجهة والحيث والحيز. وإذا ثبت هذا: فبعد الحيز والجهة والخلاء وجب أن تبقى ذات الله تعالى كما كانت وإلا فقد وقع التغيير في ذات الله تعالى وذلك محال. وإذا ثبت هذا وجب القول بكونه منزها عن الأحياز والجهات في جميع الأوقات. والخامس: أنه ثبت أن العالم كرة. وإذا ثبت هذا فالذي يكون فوق رؤوس أهل الري يكون تحت أقدام قوم آخرين. وإذا ثبت هذا، فإما أن يقال: إنه تعالى فوق أقوام بأعيانهم. أو يقال: إنه تعالى فوق الكل. والأول: باطل، لأن كونه فوقا لبعضهم يوجب كونه تحتا لآخرين، وذلك باطل. والثاني: يوجب كونه تعالى محيطا بكرة الفلك فيصير حاصل الأمر إلى أن إله العالم هو فلك محيط بجميع الأفلاك وذلك لا يقوله مسلم. والسادس: هو أن لفظ الفوقية في هذه الآية مسبوق بلفظ وملحوق بلفظ آخر. أما أنها مسبوقة فلأنها مسبوقة بلفظ القاهر، والقاهر مشعر بكمال القدرة وتمام المكنة. وأما أنها ملحوقة بلفظ فلأنها ملحوقة بقوله * (عباده) * وهذا اللفظ مشعر بالمملوكية والمقدورية، فوجب حمل تلك الفوقية على فوقية القدرة لا على فوقية الجهة.
(١٧٤)