قوله * (الله) * مبتدأ، وقوله * (شهيد بيني وبينكم) * خبره، وهو جملة تامة مستقلة بنفسها لا تعلق لها بما قبلها. قلنا الجواب في وجهين: الأول: أن نقول قوله * (قل أي شيء أكبر شهادة) * لا شك أنه سؤال ولا بد له من جواب: إما مذكور، وإما محذوف. فإن قلنا: الجواب محذوف فنقول: هذا على خلاف الدليل، وأيضا فبتقدير أن يكون الجواب محذوفا، إلا أن ذلك المحذوف لا بد وأن يكون أمرا يدل المذكور عليه ويكون لائقا بذلك الموضع. والجواب اللائق بقوله * (أي شيء أكبر شهادة) * هو أن يقال: هو الله، ثم يقال بعده * (الله شهيد بيني وبينكم) * وعلى هذا التقدير فيصح الاستدلال بهذه الآية أيضا على أنه تعالى يسمى باسم الشيء فهذا تمام تقرير هذا الدليل. وفي المسألة دليل آخر وهو قوله تعالى: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88) والمراد بوجهه ذاته، فهذا يدل على أنه تعالى استثنى ذات نفسه من قوله * (كل شيء) * والمستثنى يجب أن يكون داخلا تحت المستثنى منه، فهذا يدل على أنه تعالى يسمى باسم الشيء. واحتج جهم على فساد هذا الاسم بوجوه: الأول: قوله تعالى: * (ليس كمثله شيء) * (الشورى: 11) والمراد ليس مثل مثله شيء وذات كل شيء مثل مثل نفسه فهذا تصريح بأن الله تعالى لا يسمى باسم الشيء ولا يقال الكاف زائدة، والتقدير: ليس مثله شيء لأن جعل كلمة من كلمات القرآن عبثا باطلا لا يليق بأهل الدين المصير إليه إلا عند الضرورة الشديدة. والثاني: قوله تعالى: الله خالق كل شيء) * (الرعد: 16) ولو كان تعالى مسمى بالشيء لزم كونه خالقا لنفسه وهو محال، لا يقال: هذا عام دخله التخصيص لأنا نقول: إدخال التخصيص إنما يجوز في صورة نادرة شاذة لا يؤبه بها ولا يلتفت إليها، فيجري وجودها مجرى عدمها، فيطلق لفظ الكل على الأكثر تنبيها على أن البقية جارية مجرى العدم ومن المعلوم أن الباري تعالى لو كان مسمى باسم الشيء لكان هو تعالى أعظم الأشياء وأشرفها، وإطلاق لفظ الكل مع أن يكون هذا القسم خارجا عنه يكون محض كذب ولا يكون من باب التخصيص. الثالث: التمسك بقوله * (والله الأسماء الحسنى فادعوه بها) * (الأعراف: 180) والاسم إنما يحسن لحسن مسماه وهو أن يدل على صفة من صفات الكمال نعت من نعوت
(١٧٧)