الثواب على تلك الطاعات الزائدة، وفي الآية تأويل آخر، وهو أن المعنى من كان خاطئا غفرنا له ذنبه بهذا الفعل، ومن لم يكن خاطئا بل كان محسنا زدنا في إحسانه، أي كتبنا تلك الطاعة في حسناته وزدناه زيادة منا فيها فتكون المغفرة للمؤمنين والزيادة للمطيعين.
أما قوله تعالى: * (فبدل الذين ظلموا) * ففيه قولان. الأول: قال أبو مسلم قوله تعالى: * (فبدل) * يدل على أنهم لم يفعلوا ما أمروا به، لا على أنهم أتوا له ببدل، والدليل عليه أن تبديل القول قد يستعمل في المخالفة، قال تعالى: * (سيقول المخلفون من الأعراب) * (الفتح: 11) إلى قوله: * (يريدون أن يبدلوا كلام الله) * (الفتح: 15) ولم يكن تبديلهم إلا الخلاف في الفعل لا في القول فكذا ههنا، فيكون المعنى أنهم لما أمروا بالتواضع وسؤال المغفرة لم يمتثلوا أمر الله ولم يلتفتوا إليه. الثاني: وهو قول جمهور المفسرين: إن المراد من التبديل أنهم أتوا ببدل له لأن التبديل مشتق من البدل، فلا بد من حصول البدل، وهذا كما يقال: فلان بدل دينه، يفيد أنه انتقل من دين إلى دين آخر، ويؤكد ذلك قوله تعالى: * (قولا غير الذي قيل لهم) * ثم اختلفوا في أن ذلك القول والفعل أي شيء كان؟ فروي عن ابن عباس أنهم دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا زاحفين على أستاههم، قائلين حنطة من شعيرة، وعن مجاهد أنهم دخلوا على أدبارهم وقالوا: حنطة استهزاء، وقال ابن زيد: استهزاء بموسى. وقالوا: ما شاء موسى أن يلعب بنا إلا لعب بنا حطة حطة أي شيء حطة.
أما قوله تعالى: * (الذين ظلموا) * فإنما وصفهم الله بذلك إما لأنهم سعوا في نقصان خيراتهم في الدنيا والدين أو لأنهم أضروا بأنفسهم، وذلك ظلم على ما تقدم.
أما قوله تعالى: * (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء) * ففيه بحثان:
الأول: أن في تكرير: * (الذين ظلموا) * زيادة في تقبيح أمرهم وإيذانا بأن إنزال الرجز عليهم لظلمهم. الثاني: أن الرجز هو العذاب والدليل عليه قوله تعالى: * (ولما وقع عليهم الرجز) * أي العقوبة، وكذا قوله تعالى: * (لئن كشفت عنا الرجز) * (الأعراف: 134) وذكر الزجاج أن الرجز والرجس معناهما واحد وهو العذاب.
وأما قوله: * (ويذهب عنكم رجز الشيطان) * (الأنفال: 11) فمعناه لطخه وما يدعوا إليه من الكفر، ثم إن تلك العقوبة أي شيء كانت لا دلالة في الآية عليه، فقال ابن عباس: مات منهم بالفجأة أربعة وعشرون ألفا في ساعة واحدة، وقال ابن زيد: بعث الله عليهم الطاعون حتى مات من الغداة إلى العشي خمس وعشرون ألفا، ولم يبق منهم أحد.
أما قوله تعالى: * (بما كانوا يفسقون) *، فالفسق من الخروج المضر، يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها وفي الشرع عبارة عن الخروج من طاعة الله إلى معصيته، قال أبو مسلم: هذا الفسق هو الظلم المذكور في قوله تعالى: * (على الذين ظلموا) * وفائدة التكرار التأكيد والحق أنه غير مكرر لوجهين. الأول: أن الظلم قد يكون من الصغائر، وقد يكون من الكبائر، ولذلك وصف الله الأنبياء بالظلم