أما قوله تعالى: * (فذبحوها وما كادوا يفعلون) * فالمعنى فذبحوا البقرة وما كادوا يذبحونها، وههنا بحث: وهو أن النحويين ذكروا " لكاد " تفسيرين. الأول: قالوا: إن نفيه إثبات وإثباته نفي. فقولنا: كاد يفعل كذا معناه قرب من أن يفعل لكنه ما فعله وقولنا: ما كاد يفعل كذا معناه قرب من أن يفعل لكنه فعله. والثاني: وهو اختيار الشيخ عبد القاهر (الجرجاني) النحوي أن كاد معناه المقاربة فقولنا كاد يفعل معناه قرب من الفعل وقولنا ما كاد يفعل معناه ما قرب منه وللأولين أن يحتجوا على فساد هذا الثاني بهذه الآية لأن قوله تعالى: * (وما كادوا يفعلون) * معناه وما قاربوا الفعل ونفي المقاربة من الفعل يناقض إثبات وقوع الفعل، فلو كان كاد للمقاربة لزم وقوع التناقض في هذه الآية. وههنا أبحاث:
البحث الأول: روي أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له عجلة فأتى بها الغيضة وقال: اللهم إني استودعتكها لابني حتى تكبر وكان برا بوالديه فشبت وكانت من أحسن البقر وأسمنها فتساوموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير، وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة.
البحث الثاني: روي عن الحسن أن البقرة تذبح ولا تنحر وعن عطاء أنها تنحر، قال: فتلوت الآية عليه فقال: الذبح والنحر سواء، وحكي عن قتادة والزهري إن شئت نحرت وإن شئت ذبحت وظاهر الآية يدل على أنهم أمروا بالذبح وأنهم فعلوا ما يسمى ذبحا والنحر وإن أجزأ عن الذبح فصورته مخالفة لصورة الذبح، فالظاهر يقتضي ما قلناه حتى لو نحروا ولا دليل يدل على قيامه مقام الذبح لكان لا يجزي.
البحث الثالث: اختلفوا في السبب الذي لأجله ما كادوا يذبحون، فعن بعضهم لأجل غلاء ثمنها وعن آخرين أنهم خافوا الشهرة والفضيحة، وعلى كلا الوجهين، فالاحجام عن المأمور به غير جائز، أما الأول: فلأنهم لما أمروا بذبح البقرة المعينة، وذلك الفعل ما كان يتم إلا بالثمن الكثير وجب عليهم أداؤه لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب إلا أن يدل الدليل على خلافه، وإنما لا يلزم المصلي أن يتطهر بالماء إذا لم يجده إلا بغلاء من حيث الشرع، ولولاه للزم ذلك إذا وجب التطهر مطلقا. وأما الثاني: وهو خوف الفضيحة فذاك لا يرفع التكليف، فإن القود إذا كان واجبا عليه لزمه تسليم النفس من ولي الدم إذا طالب وربما لزمه التعريف ليزول الشر والفتنة وربما لزمه ذلك لتزول التهمة في القتل عن القوم الذين طرح القتيل بالقرب منهم، لأنه الذي عرضهم للتهمة فيلزمه إزالتها فكيف يجوز جعله سببا للتثاقل في هذا الفعل.