أن يقال اذبح بقرة أي بقرة شئت، فأذن المفهوم من قولك " اذبح " معنى مشترك بين هذين القسمين والمشترك بين القسمين لا يستلزم واحدا منهما، فأذن قوله اذبحوا بقرة لا يستلزم معناه معنى قوله: اذبحوا بقرة، أي بقرة شئتم، فثبت أنه لا يفيد العموم لأنه لو أفاد العموم لكان قوله: اذبحوا بقرة أي بقرة شئتم تكريرا ولكان قوله: اذبحوا بقرة معينة نقضا، ولما لم يكن كذلك علمنا فساد هذا القول. الثاني: أن قوله تعالى: * (اذبحوا بقرة) * كالنقيض لقولنا لا تذبحوا بقرة، وقولنا لا تذبحوا بقرة يفيد النفي العام فوجب أن يكون قولنا اذبحوا بقرة يرفع عموم النفي ويكفي في ارتفاع عموم النفي خصوص الثبوت على وجه واحد، فأذن قوله: اذبحوا بقرة يفيد الأمر بذبح بقرة واحدة فقط، أما الإطلاق في ذبح أي بقرة شاءوا فذلك لا حاجة إليه في ارتفاع ذلك النفي فوجب أن لا يكون مستفادا من اللفظ، الثالث: أن قوله تعالى: * (بقرة) * لفظة مفردة منكرة والمفرد المنكر إنما يفيد فردا معينا في نفسه غير معين بحسب القول الدال عليه ولا يجوز أن يفيد فردا أي فرد كان بدليل أنه إذا قال: رأيت رجلا فإنه لا يفيد إلا ما ذكرناه فإذا ثبت أنه في الخبر كذلك وجب أن يكون في الأمر كذلك، واحتج القائلون بالعموم بأنه لو ذبح أي بقرة كانت فإنه يخرج عن العهدة فوجب أن يفيد العموم. والجواب: أن هذا مصادرة على المطلوب الأول، فإن هذا إنما يثبت لو ثبت أن قوله: اذبح بقرة معناه اذبح أي بقرة شئت، وهذا هو عين المتنازع فيه. فهذا هو الكلام في هذه المسألة. إذا عرفت هذا فنقول: اختلف الناس في أن قوله تعالى: * (اذبحوا بقرة) * هل هو أمر بذبح بقرة معينة مبينة أو هو أمر بذبح بقرة أي بقرة كانت، فالذين يجوزون تأخير البيان عن وقت الخطاب قالوا: إنه كان أمرا بذبح بقرة معينة ولكنها ما كانت مبينة، وقال المانعون منه: هو وإن كان أمرا بذبح أي بقرة كانت إلا أن القوم لما سألوا تغير التكليف عند ذلك، وذلك لأن التكليف الأول كان كافيا لو أطاعوا وكان التخيير في جنس البقر إذ ذاك هو الصلاح، فلما عصوا ولم يمتثلوا ورجعوا بالمسألة لم يمتنع تغير المصلحة وذلك معلوم في المشاهد، لأن المدبر لولده قد يأمره بالسهل اختيارا، فإذا امتنع الولد منه فقد يرى المصلحة في أن يأمره بالصعب فكذا ههنا. واحتج الفريق الأول بوجوه. الأول: قوله تعالى: * (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) * و * (ما لونها) * وقول الله تعالى: * (إنه يقول إنها بقرة لا فارض، إنها بقرة صفراء، إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض) * منصرف إلى ما أمروا بذبحه من قبل وهذه الكنايات تدل على أن المأمور به ما كان ذبح بقرة أي بقرة كانت، بل كان المأمور به ذبح بقرة معينة. الثاني: أن الصفات المذكورة في الجواب عن السؤال الثاني إما أن يقال: إنها صفات البقرة التي أمروا بذبحها أولا أو صفات بقرة وجبت عليهم عند ذلك السؤال وانتسخ ما كان واجبا عليهم قبل ذلك، والأول هو المطلوب، والثاني: يقتضي أن يقع الاكتفاء بالصفات المذكورة آخرا، وأن لا يجب حصول الصفات المذكورة قبل ذلك، ولما أجمع المسلمون
(١١٥)