البحث الثاني: أن سؤال " ما هي " طلب لتعريف الماهية والحقيقة، لأن " ما " سؤال، و " هي " إشارة إلى الحقيقة، فما هي لا بد وأن يكون طلبا للحقيقة وتعريف الماهية والحقيقة لا يكون إلا بذكر أجزائها ومقدماتها لا بذكر صفاتها الخارجة عن ماهيتها، ومعلوم أن وصف السن من الأمور الخارجة عن الماهية فوجب أن لا يكون هذا الجواب مطابقا لهذا السؤال: والجواب عنه: أن الأمر وإن كان كما ذكرتم لكن قرينة الحال تدل على أنه ما كان مقصودهم من قولهم: ما البقر طلب ماهيته وشرح حقيقته بل كان مقصودهم طلب الصفات التي بسببها يتميز بعض البقر عن بعض، فلهذا حسن ذكر الصفات الخارجة جوابا عن هذا السؤال.
البحث الثالث: قال صاحب " الكشاف ": الفارض المسنة وسميت فارضا لأنها فرضت سنها، أي قطعتها وبلغت آخرها، والبكر: الفتية والعوان النصف، قال القاضي: أما البكر، فقيل: إنها الصغيرة وقيل ما لم تلد، وقيل: إنها التي ولدت مرة واحدة، قال المفضل بن سلمة (الضبي): إنه ذكر في الفارض أنها المسنة وفي البكر أنها الشابة وهي من النساء التي لم توطأ ومن الإبل التي وضعت بطنا واحدا.
قال القفال: البكر يدل على الأول ومنه الباكورة لأول الثمر ومنه بكرة النهار ويقال: بكرت عليهما البارحة إذا جاء في أول الليل، وكأن الأظهر أنها هي التي لم تلد لأن المعروف من اسم البكر من الإناث في بني آدم ما لم ينز عليها الفحل، وقال بعضهم: العوان التي ولدت بطنا بعد بطن. وحرب عوان: إذا كانت حربا قد قوتل فيها مرة بعد مرة، وحاجة عوان: إذا كانت قد قضيت مرة بعد مرة. البحث الرابع: احتج العلماء بقوله تعالى: * (عوان بين ذلك) * على جواز الاجتهاد واستعمال غالب الظن في الأحكام إذ لا يعلم أنها بين الفارض والبكر إلا من طريق الاجتهاد وههنا سؤالان:
الأول: لفظة " بين " تقتضي شيئين فصاعدا فمن أين جاز دخوله على ذلك؟ الجواب: لأنه في معنى شيئين حيث وقع مشارا به إلى ما ذكر من الفارض والبكر.
السؤال الثاني: كيف جاز أن يشار بلفظه: (ذلك) إلى مؤنثين مع أنه للإشارة إلى واحد مذكر؟ الجواب: جاز ذكر ذلك على تأويل ما ذكر أو ما تقدم للاختصار في الكلام.
أما قوله تعالى: * (فافعلوا ما تؤمرون) * ففيه تأويلان: الأول: فافعلوا ما تؤمرون به من قولك: أمرتك الخير. والثاني: أن يكون المراد فافعلوا أمركم بمعنى مأموركم تسمية للمفعول بالمصدر كضرب الأمير. واعلم أن المقصود الأصلي من هذا الجواب كون البقرة في أكمل أحوالها، وذلك لأن الصغيرة تكون ناقصة لأنها بعدما وصلت إلى حالة الكمال، والمسنة كأنها صارت ناقصة وتجاوزت عن حد الكمال، فأما المتوسطة فهي التي تكوى في حالة الكمال. ثم إنه تعالى حكى سؤالهم الثاني وهو قوله تعالى: * (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) * واعلم أنهم لما عرفوا حال السن شرعوا بعده في تعرف حال اللون فأجابهم الله تعالى بأنها: * (صفراء فاقع لونها) *، والفقوع