والخجالة، فربما كانت متألمة بسبب تغير تلك الأعضاء ولا يلزم من عدم تألم القرود الأصلية بتلك الصورة عدم تألم الإنسان بتلك الصورة الغريبة العرضية.
السؤال الثاني: أولئك القردة بقوا أو أفناهم الله، وإن قلنا إنهم بقوا فهذه القردة التي في زماننا هل يجوز أن يقال إنها من نسل أولئك الممسوخين أم لا؟ الجواب: الكل جائز عقلا إلا أن الرواية عن ابن عباس أنهم ما مكثوا إلا ثلاثة أيام ثم هلكوا.
المسألة الرابعة: قال أهل اللغة: الخاسئ الصاغر المبعد المطرود كالكلب إذا دنا من الناس قيل له اخسأ، أي تباعد وانطرد صاغرا فليس هذا الموضع من مواضعك، قال الله تعالى: * (ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) * (الملك: 4) يحتمل صاغرا ذليلا ممنوعا عن معاودة النظر لأنه تعالى قال: * (فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) *، فكأنه قال: ردد البصر في السماء ترديد من يطلب فطورا فإنك وإن أكثرت من ذلك لم تجد فطورا فيرتد إليك طرفك ذليلا كما يرتد الخائب بعد طول سعيه في طلب شيء ولا يظفر به فإنه يرجع خائبا صاغرا مطرودا من حيث كان يقصده من أن يعاوده.
أما قوله: * (فجعلناها) * فقد اختلفوا في أن هذا الضمير إلى أي شيء يعود على وجوه. أحدها: قال الفراء: (جعلناها) يعني المسخة التي مسخوها، وثانيها: قال الأخفش: أي جعلنا القردة نكالا. وثالثها: جعلنا قرية أصحاب السبت نكالا. رابعها: جعلنا هذه الأمة نكالا لأن قوله تعالى: * (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) * يدل على الأمة والجماعة أو نحوها والأقرب هو الوجهان الأولان لأنه إذا أمكن رد الكناية إلى مذكور متقدم فلا وجه لردها إلى غيره، فليس في الآية المتقدمة إلا ذكرهم وذكر عقوبتهم، أما النكال فقال القفال رحمه الله: إنه العقوبة الغليظة الرادعة للناس عن الإقدام على مثل تلك المعصية وأصله من المنع والحبس ومنه النكول عن اليمين وهو الامتناع منها، ويقال للقيد النكل، وللجام الثقيل أيضا نكل لما فيهما من المنع والحبس، ونظيره قوله تعالى: * (إن لدينا أنكالا وجحيما) * (المزمل: 12) وقال الله تعالى: * (والله أشد بأسا وأشد تنكيلا) * (النساء: 84) والمعنى: أنا جعلنا ما جرى على هؤلاء القوم عقوبة رادعة لغيرهم أي لم نقصد بذلك ما يقصده الآدميون من التشفي لأن ذلك إنما يكون ممن تضره المعاصي وتنقص من ملكه وتؤثر فيه، وأما نحن فإنما نعاقب لمصالح العباد فعقابنا زجر وموعظة، قال القاضي: اليسير من الذم لا يوصف بأنه نكال حتى إذ عظم وكثر واشتهر، يوصف به وعلى هذا الوجه أوجب الله تعالى في السارق المصر القطع جزاء ونكالا وأراد به أن يفعل على وجه الإهانة والاستخفاف فهو بمنزلة الخزي الذي لا يكاد يستعمل إلا في الذم العظيم، فكأنه تعالى لما بين ما أنزله بهؤلاء القوم الذين اعتدوا في السبت واستحلوا من اصطياد الحيتان وغيره ما حرمه عليهم ابتغاء الدنيا ونقضوا ما كان منهم من المواثيق، فبين أنه تعالى أنزل بهم عقوبة لا على وجه المصلحة لأنه كان لا يمتنع أن يقلل مقدار مسخهم ويغير صورهم بمنزلة ما ينزل بالمكلف من الأمراض المغيرة للصورة، ويكون