النزول، والقصة، والمعنى:
وكان سبب نزول هذه الآية أن اليهود أنكروا تحليل النبي صلى الله عليه وآله لحوم الإبل، فبين الله تعالى أنها كانت محللة، لإبراهيم، وولده إلى أن حرمها إسرائيل على نفسه، وحاجهم بالتوراة، فلم يجسروا على إحضار التوراة لعلمهم بصدق النبي صلى الله عليه وآله فيما أخبر أنه فيها.
وكان إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نذر إن برأ من النساء أن يحرم أحب الطعام والشراب إليه وهو لحوم الإبل وألبانها، فلما برأ وفى لله بنذره. وقال ابن عباس والحسن: إن إسرائيل أخذه وجع العرق الذي يقال له النساء، فنذر إن شفاه الله يحرم العروق ولحم الإبل (على نفسه)، وهو أحب الطعام إليه.
فان قيل: كيف يجوز للانسان أن يحرم على نفسه شيئا، وهو لا يعلم ماله فيه من المصلحة مما له فيه المفسدة؟ قلنا: يجوز ذلك إذا أذن الله له في ذلك وأعلمه، وكان الله أذن لإسرائيل في هذا النذر، فلذلك نذر. وفي الناس من استدل بهذه الآية على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وآله أن يجتهد في الاحكام، لأنه إذا كان أعلم ورأيه أفضل كان اجتهاده أحق وهذا الذي ذكروه إن جعل دليلا على أنه كان يجوز أن يتعبد النبي بالاجتهاد، كان صحيحا "، وإن جعل دليلا على أنه كان متعبدا به، فليس فيه دليل عليه، لأنا قد بينا أن إسرائيل ما حرم ذلك إلا بإذن الله، فمن أين إن ذلك كان محرما له من طريق الاجتهاد، فأما من امتنع من جواز تعبد النبي صلى الله عليه وآله بالاجتهاد، بأن ذلك يؤدي إلى جواز مخالفة أمته له إذا اداهم الاجتهاد إلى خلاف اجتهاده فقد أبعد، لأنه لا يمتنع أن يجتهد النبي صلى الله عليه وآله الاجتهاد إلى خلاف ما أدى اجتهاد الأمة إليه، فوجب اتباعه ولا يلتفت إلى اجتهاد من يخالفه، كما أن الأمة يجوز أن تجمع على حد عن اجتهاد، وإن لم يجز مخالفتها فبطل قول الفريقين.
قوله تعالى:
" فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم