الفسق؟ قلنا: لا يجب ذلك، لان ذكر اسوداد الوجوه وابيضاضها لا يمنع أن يكون هناك وجوه أخر مغبرة أو نحوها من الألوان أو يكون أدخلوا في جملة الكفار الذين اسودت وجوههم على التغليب لأعظم الصفتين كما يغلب المذكر على المؤنث، وليس ذكر اليوم بأنه تسود فيه وجوه وتبيض وجوه بمانع من أن يكون فيه وجوه عليها الغبرة، كما أن القائل إذا قال هذا يوم يعفو فيه السلطان عن قوم ويعاقب فيه قوما لا يدل على أنه ليس هناك من لا يستحق واحدا من الامرين على أن الآية تدل على أن " الذين اسودت وجوههم " هم المرتدون، لأنه قال " أكفرتم بعد إيمانكم " وليس كل الكفار هذه صورتهم، جاز لنا إثبات فاسقين مثل ذلك، وليس قوله: " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " يجري مجرى قوله:
" وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظلل وجهه مسودا " (1) لان ذاك إنما ذكر على وجه المثل، كأنه قال حال الذي يبشر بالأنثى بمنزلة حالة من اسود وجهه، لما حدث فيه من التغير: وإن لم يسود في الحقيقة. وعرفنا عن ذلك دليل، وليس في هذه الآية ما يدلنا على العدول عن ظاهرها.
وجواب أما في قوله: " فأما الذين اسودت " محذوف وتقديره " فأما الذين اسودت وجوههم " فيقال لهم " أكفرتم بعد ايمانكم " فحذف لدلالة اسوداد الوجوه على حال التوبيخ حتى كأنه ناطق به، وقد يحذف القول في مواضع كثيرة استغناء بما قبله من البيان، كقوله: " ولو ترى إذا المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا " (2) أي يقولون ربنا لدلالة تنكيس الرأس من المجرم على سؤال الإقالة. وقيل في قوله تعالى: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا " (3) معناه يقول " ربنا تقبل منا " ومثله " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم " (4) أي يقولون " سلام عليكم " ونظائر ذلك كثيرة جدا.