وقوله تعالى: " يشري نفسه " معناه يبيع نفسه، وقد بينا فيما مضى أن الشراء يكون بمعنى البيع، كما قال: " وشروه بثمن بخس " (1) أي باعوه وقال الشاعر: (2) وشريت بردا ليتني * من بعد برد كنت هامه (3) أي بعت. والشراء استبدال العوض بالثمن. وشرى باع واشترى ابتاع.
وشرا هاهنا مجاز، لان أصله في الأثمان من العين، والورق، لذلك لا يقال:
باع متاعه إذا تصدق به، لان الأظهر إذا أطلق أنه باعه بالثمن.
وقوله تعالى: " ابتغاء مرضات الله " معناه طلب مرضات الله، ومثله " حذر الموت " (4) قال الشاعر: (5) وأغفر عوراء الكريم ادخاره * وأعرض عن شتم اللئيم تكرما (6) ولا يجوز قياسا على ذلك فعله زيدا أي لزيد. ويجوز فعله خوفا، لان في ذكر المصدر دليلا على العرض الداعي إلى الفعل، وليس كذلك ذكر زيد، والمرضاة والرضى واحد وهو ضد السخط.
قوله تعالى: " والله رؤوف بالعباد " قد بينا فيما مضى معنى الرؤف. والخلاف فيه، ومعناه ذو رحمة واسعة بعبده الذي شرى نفسه له في جهاد من جاهد في أمره من أهل الشرك، والفسوق. وإنما ذكر الرؤوف بالعباد هنا للدلالة على أنه إنما رغب العبد في بيع نفسه بالجهاد في نفسه رأفة به، وحسن نظر له، ليبتليه من الثواب المستحق على عمله ما لا يجوز أن يصل إليه في جلالته إلا بتلك المنزلة.