قال الحافظ الحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبرائيل كما ذهبت إلى ذلك عائشة والتقدير على رأيه فأوحى أي جبرائيل إلى عبده أي عبد الله محمد لأنه يرى أن الذي دنا فتدلى هو جبرائيل وأنه هو الذي أوحى إلى محمد وكلام أكثر المفسرين من السلف يدل على أن الذي أوحى هو الله أوحى إلى عبده محمد ومنهم من قال إلى جبرائيل إنتهى وقال ابن القيم في زاد المعاد أما قوله تعالى في سورة النجم ثم دنا فتدلى فهو غير الدنو والتدلي في قصة الإسراء فإن الذي دنا في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود والسياق يدل عليه فإنه قال علمه شديد القوى وهو جبريل ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى وهو ذو المرة أي القوة وهو الذي استوى بالأفق الأعلى وهو الذي دنا فتدلى فكان من محمد صلى الله عليه وسلم قدر قوسين أو أدنى فأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء فلذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه ولا تعرض في سورة النجم لذلك بل فيها أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى وهذا هو جبريل رآه محمد صلى الله عليه وسلم على صورته مرتين مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي قوله (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن مجالد) هو ابن سعيد (لقي ابن عباس كعبا) هو كعب بن مانع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ثقة من الثانية مخضرم كان من أهل اليمن فسكن الشام مات في خلافة عثمان وقد زاد على المائة (فسأله) أي كعبا (فكبر) أي كعب (حتى جاوبته الجبال) أي كبر تكبيرة مرتفعا بها صوته حتى جاوبته الجبال بالصدى كأنه استعظم ما سأل عنه فكبر لذلك ولعل ذلك السؤال رؤية الله تعالى كما سئلت عائشة رضي الله عنها فقف لذلك شعرها قاله الطيبي (إنا بنو هاشم) قال الطيبي هذا بعث له على التسكين من ذلك الغيظ والتفكر في الجواب يعني نحن أهل علم ومعرفة فلا نسأل عما يستبعد هذا الاستبعاد ولذلك فكر فأجاب بقوله إن الله قسم إلى آخره (فكلم) أي الله سبحانه وتعالى (مرتين) أي في الميقاتين (ورآه محمد) أي في المعراج (مرتين) كما يدل عليه قوله سبحان وتعالى ولقد رآه نزلة أخرى فهذا يدل على أن مذهب كعب أن الضمير في رآه إلى الله لا إلى جبريل بخلاف قول عائشة (فدخلت على
(١١٨)