عناني من أمرك ما يعنى الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن تكون ذلك وأنت مقبل العمر مقبل الدهر ذو نية سليمة ونفس صافية وأن أبتدأك بتعلم كتاب الله عز وجل وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه لا أجاوز ذلك بك إلى غيرك ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم فكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لم آمن عليك فيه الهلكة ورجوت أن يوفقك الله لرشدك وأن يهديك فعهدت إليك وصيتي هذه، واعلم مع ذلك يا بني أن أحب ما أنت آخذ به من وصيتي إليك بتقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك والصالحون من أهل بيتك فإنهم لم يدعوا أن ينظروا لأنفسهم كما أنت ناظر وفكروا كما أنت مفكر ثم ردهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والامساك عما لم يكلفوا فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم لا بتورط الشبهات وغلو الخصومات وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك عليه والرغبة إليه في توفيقك ونبذ كل شائبة أولجتك في شبهة أو أسلمتك إلى ضلالة فإذا أيقنت أن قد صفى لك قلبك فخشع وتم رأيك فاجتمع وكان همك في ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك وإن لم يجتمع لك رأيك على ما تحب من نفسك وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء وتتورط الظلماء وليس طالب الدين من خبط ولا من خلط والامساك عن ذلك أمثل وأن أول ما أبدءك في ذلك وآخره
(١٦٢)