البعيدة من اليقين فإنني قرأتها فوجدتها كثيرة الاحتمال لشبهات المعترضين إلا قليل منها سلكه أهل الدين، وبيان ذلك أنك تجد ابن آدم إذا كان له نحو من سبع سنين وإلى قبل بلوغه إلى مقام المكلفين لو كان جالسا مع جماعة فالتفت إلى ورائه فجعل واحد منهم بين يديه شيئا موكولا أو غيره من الأشياء فإنه إذا رآه سبق إلى تصويره وإلهامه أن ذلك الموكول أو غيره ما حضر بذاته وإنما أحضره غيره ويعلم ذلك على غاية عظيمة من التحقيق والكشف والضياء والجلاء ثم إذا التفت مرة أخرى إلى ورائه فأخذ الحاضرين ذلك من بين يديه فإنه إذا عاد والتفت إليه ولم يره موجودا فلا يشك أنه أخذه أحد سواه ولو حلف له كل من حضر أنه حضر ذلك الطعام بذاته وذهب بذاته كذب الحالف ورد عليه دعواه، فهذا يدلك على أن فطرة ابن آدم ملهمة معلمة من الله جل جلاله بأن الأثر دلك دلالة بديهية على مؤثره بغير ارتياب والحادث دلك على محدثه بدون حكم أولي الألباب فكيف جاز أن يعدل ذوو البصائر عن هذا التنبيه الباهر القاهر عند كمال العقول إلى أن يقولوا للانسان الكثير الغفول وقد علموا أنه قد نشأ في بلاد الاسلام ورسخ في قلبه حب المنشأ لدين محمد صلى الله عليه وآله وأنس بسماع المعجزات والشرائع والأحكام وصار ذلك له عادة ثانية قوية معاضدة لفطرته الأزلية، لأنك مالك طريق إلى معرفة المؤثر والصانع الذي قد كان عرفه معرفة مجملة بأثره بفطرته قبل إرشاده إلا بنظره في الجوهر والجسم والعرض وتركيب ذلك على وجه يضعف عنها كثير من اجتهاده، ثم إن أستاده أو الذي يقول له
(١٠)