والفصول، وهيأ الله جل جلاله لك كتبا كثيرة في النبوة والإمامة يكفيك منها نظر ما تريد نظره من المعاني المطلوبة التي قد تعب فيها غيرك وكانت من الله جل جلاله لك كالهدية المفرغة الموهوبة، وهيأ الله جل جلاله كتبا كثيرة عندي في الزهد اجعلها عند الجليس الصالح من الجلساء وتأدب بما أدب الله جل جلاله من كان قبلك من الأنبياء والأوصياء والأولياء وبما قوى به من كان دونك من الضعفاء حتى جعله بفضله من الأولياء وجمع له بين سعادة دار الفناء ودار البقاء فالسابق والمسبوق من أصل واحد، لكن السابق ذا همة عالية فلم يقنع بدون السعادة الفانية والباقية وكان المسبوق ذا همة واهية فقنع بالحالة الواهية، وهيأ الله جل جلاله كتبا كثيرة عندي في تواريخ الخلفاء والملوك وغيرهم من الذين طلبوا سراب الدنيا الزايل وسودوا وجوه العقل والفضل بخسران العاجل والآجل ورحلوا من الدنيا بأحمال الذنوب وأثقال العيوب، وكانوا كأنهم في أحلام ومنام، وباعوا بتلك الأيام ما لا يبيعه ذووا الهمم العالية الباهرة من سعادة الدنيا والآخرة، فاحذرهم على دينك ومولاك فالله الله أن تتقرب إليهم أو تقرب منهم مهما أمكنك ففي قربهم السم الناقع والهلاك، وإنما ذخرت لك تواريخهم بالله جل جلاله لتنظر أول أمورهم وآخرها وظواهرها وسرائرها وترى ما فعلوا بنفوسهم وما رضوا به من نحوسهم وضرهم وبؤسهم بساعات ولذات يسيرة وأعمار قصيرة وكيف خدعهم الشيطان عدوهم وعدو مولاهم وسلبهم دنياهم وأخراهم.
واعلم يا ولدي محمد إنني كنت يوما أنظر في كتاب من التواريخ المذكورة