وتاجر الغرور، وغرير المنايا، وأسير الموت، وحليف الهموم، وقرين الأحزان، ورصيد الآفات، وصريع الشهوات، وخليفة الأموات، أما بعد فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر علي وإقبال الآخرة إلى ما يمنعني عن ذكر من سواي والاهتمام بما ورأي غير أني حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدقني دائي وصرفني عن هواي وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد لا يرى معه لعب وصدق لا يشوبه كذب وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى لو كأن شيئا لو أصابك أصابني حتى وكأن الموت لو أتاك أتاني فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت، فأوصيك بتقوى الله يا بني ولزوم أمره وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله جل وجهه إن أنت أخذت به فأحي قلبك بالموعظة وأمته بالزهد وقوه باليقين ونوره بالحكمة وذلله بذكر الموت وقرره بالفناء وأسكنه بالخشية وأشعره بالصبر وبصره فجائع الدنيا وحذره جولة الدهر وفحش تقلبه وتقلب الليالي والأيام وأعرض عليه أخبار الماضين وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين وسر في ديارهم واعتبر آثارهم وانظر ما فعلوا وأين رحلوا ونزلوا وعما انتقلوا فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة وحلوا دار الغربة وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك ودع القول فيما لا تعرف والخطاب والنظر فيما لم تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب
(١٦٠)