حرمتك اليسيرة بالنسبة إلى حرمته العظيمة الكبيرة وكيف رضيت أن تكون حرمتك أهم من حرمته وأنت غريق نعمته ومملوك ضعيف في قبضته وما الذي هون بهذه الجرأة الهايلة في مقدس حضرته.
واعلم أنك تبتلي بمخالطتهم بأن يتفق لك أن تثق بعهودهم أكثر من وعود مولاك وأنت تعلم أنهم يمكن أن يموتوا قبل إنجاز الوعود ويمكن أن يخلفوا ولا يفوا بالعهد ويمكن أن يحول بينك وبين الانتفاع بوعودهم لو أنجزوها حوائل ويشغلك عنها شواغل فكيف رضي عقل العاقل وفضل الفاضل بترجيح وعد المملوك المعود بالجنايات والخيانات وتضييع العهود والأمانات على وعد القادر بذاته الكريم لذاته الذي لا حائل بينه وبين سائر مقدوراته.
واعلم أنك يا ولدي تبتلي مع مخالطتهم بأن يكون وعيدهم وتهديدهم أرجح من وعيد الله جل جلاله وتهديده وفي ذلك مخاطرة مع الله جل جلاله واستخفاف لأهوال وعيده.
واعلم أنه يبتلي المخالط لهم بالانس بهم أكثر من أنسه بمولاه ومالك دنياه وأخراه وإنما حصل الانس بمخالطتهم بوجود العبد وحياته وعافيته وكل ذلك من رحمة مولاك ومن نعمته فكيف جاز تقديم الانس بسواه عليه والعبد الذي بين يديه وسيده مطلع عليه.
واعلم: أن الانسان قد يبتلي أيضا بالمخالطة للعباد بحب مدحهم وكراهة ذمهم ويشتغل بذلك عن حب مولاه وذمه له وعن حبه هو لمولاك وعن الخوف من ذمه إذا عصاه.