القرشي عن عائشة أم المؤمنين قالت: (أهوى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني، فقلت: إني صائمة فقال: وأنا صائم، فقبلني).
وكانت عائشة إذ مات عليه السلام بنت ثمان عشرة سنة.
فظهر بطلان قول من فرق في ذلك بين الشيخ والشاب، وبطلان قول من قال: إن ها مكروهة، وصح أنها حسنة مستحبة، سنة من السنن، وقربة من القرب إلى الله تعالى اقتداءا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووقوفا عند فتياه بذلك.
وأما ما تعلق (1) به من كرها للشاب فإنما هما حديثا سوء روينا أحدهما من طريق فيها ابن لهيعة، وهو لا شئ، وفيها قيس مولى تجيب، وهو مجهول لا يدرى من هو؟
والآخر من طريق إسرائيل، وهو ضعيف، عن أبي العنبس، ولا يدرى من هو؟
عن الأغر عن أبي هريرة، في كليهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في قبلة الصائم للشيخ ونهى عنها الشاب) فسقطا جميعا.
وأما من أبطل الصوم بها فإنهم احتجوا بقول الله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) ففي هذه الآية المنع من المباشرة.
قلنا: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة المباشرة، وهو المبين عن الله تعالى مراده منا، فصح أن المباشرة المحرمة في الصوم إنما هي الجماع فقط.
ولا حجة في هذه الآية لحنيفي ولا لمالكي، فإنهم (2) يبيحون المباشرة، ولا يبطلون الصوم بها أصلا (3)، وإنما يبطلونه بشئ يكون معها، من المنى أو المذي فقط، وإنما هي حجة لمن منع المباشرة وأبطل الصوم بها.
وهؤلاء أيضا قد احتجوا بخبرين: روينا أحدهما من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة عن عمر بن حمزة أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال قال عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فرأيته لا ينظرني، فقلت: يا رسول الله، ما شأني؟ فقال: ألست الذي تقبل وأنت صائم؟! قلت: فوالذي بعثك بالحق (4) لا أقبل بعدها وأنا صائم.
قال أبو محمد: الشرائع لا تؤخذ بالمنامات! لا سيما وقد أفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر في اليقظة حيا بإباحة القبلة للصائم، فمن الباطل أن ينسخ ذلك في المنام ميتا! نعوذ بالله من هذا.