وروينا من طريق وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين: ان ابن مسعود قال: من أكل أول النهار فليأكل آخره.
قال على: اختلف الناس فيمن أصبح مفطرا في أول يوم من رمضان ثم علم أن الهلال رؤى البارحة على أقوال.
منهم من قال: ينوى صوم يومه ويجزئه، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه نأخذ، وبه جاء النص الذي قدمنا.
ومنهم من قال: لا يصوم، لأنه لم ينو الصيام من الليل، ولم يروا فيه قضاء، وهو قول ابن مسعود كما ذكرنا، وبه يقول داود (1) * وأصحابنا.
ومنهم من قال: يأكل بقيته ويقضيه، وهو قول رويناه عن عطاء.
ومنهم من قال: يمسك فيه عما يمسك الصائم، ولا يجزئه، وعليه قضاؤه، وهو قول مالك، والشافعي.
وقال به (2) أبو حنيفة فيمن أكل خاصة، دون من لم يأكل، وفيمن علم الخبر بعد الزوال فقط، اكل ولم يأكل.
وهذا أسقط الأقوال! لأنه لا نص فيه ولا قياس، ولا نعلمه من قول صاحب، ولا يخلو هذا الامساك الذي أمروه به من أن يكون صوما يجزئه (3)، وهم لا يقولون بهذا، أولا يكون صوما ولا يجزئه، فمن أين وقع لهم ان يأمروه بعمل يتعب فيه ويتكلفه ولا يجزئه؟!.
وأيضا فإنه لا يخلو من أن يكون مفطرا أو صائما: فإن كان صائما فلم يقضيه (4) اذن؟!
فيصوم يومين وليس عليه الا واحد؟! وإن كان مفطرا فلم أمروه (5) بعمل الصوم؟! وهذا عجب (6) جدا! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال أبو محمد: احتج أبو حنيفة في تصحيح تخليطه الذي ذكرناه قبل في نية الصوم بخبر الربيع، وسلمة بن الأكوع الذي ذكرنا، وهذا عجب جدا! أن يكونوا قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس ما جاء به الخبر، فقالوا: من أكل لم يجزه صيام باقي يومه، وفى تخصيصهم بالنية قبل الزوال، وليس هذا في الخبر، ثم احتجوا به فيما ليس منه شئ! (7) ومن عادتهم هذا الخلق الذميم! وهذا قبيح جدا، وتمويه لا يستجيزه محقق ناصح لنفسه!.