المحلى - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ١١٩
والزكاة، فلما نزلا لم نؤمر ولن ننه عنه، ونحن نفعله) (1).
قال أبو محمد: وهذا الخبر حجة لنا عليهم، لان فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر، فصار أمرا مفترضا ثم لم ينه عنه، فبقي فرضا كما كان، وأما يوم عاشوراء فلولا أنه عليه السلام صح أنه قال بعد ذلك: (من شاء صامه ومن شاء تركه) لكان فرضه باقيا، ولم يأت مثل هذا القول في زكاة الفطر، فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وقد قال تعالى:
(أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر زكاة، فهي داخلة في أمر الله تعالى بها، والدلائل (2) على هذا تكثر جدا.
وروينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن عصام بن سليمان عن عصام بن سليمان الأحول عن محمد بن سيرين وأبى قلابة قالا جميعا: زكاة الفطر فريضة: وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما.
وأجاز قوم أشياء (3) غير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوم: يجزئ فيها القمح وقال آخرون: والزبيب والأقط (4).
واحتجوا بأشياء منها: أنهم قالوا: إنما يخرج كل أحد مما يأكل ومن قوت أهل بلده، فقلنا: هذه دعوى باطل بلا برهان، ثم قد نقضتموها لأنه إنما يأكل الخبز لا الحب، فأوجبوا أن يعطى خبزا لأنه هو أكله، هو قوت أهل بلده، فان قالوا:
هو غير ما جاء به الخبر، قلنا: صدقتم وكذلك ما عدا التمر والشعير.
وقالوا: إنما خص عليه السلام بالذكر التمر والشعير لأنهما كانا قوت أهل المدينة.
قال أبو محمد: وهذا قول فاحش جدا، أول ذلك أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكشوف! لان هذا القائل قوله عليه السلام ما لم يقل، وهذا عظيم جدا.

(1) هذا الحديث بلفظيه رواه النسائي (ج 5 ص 49) باسنادين: أحدهما من طريق الحكم بن عتيبة عن القاسم عن عمر ابن شرحبيل عن قيس. والآخر من طريق سلمة بن كهيل عن القاسم عن أبي عمار الهمداني عن قيس، وهما اسنادان صحيحان رواتهما ثقات، والعجب أن ابن حجر قال في الفتح (ج 3 ص 291): (وتعقب بأن في اسناده راويا مجهولا) وتبعه في هذا السيوطي في شرح النائي والشوكاني في نيل الأوطار (ج 4 ص 250)! وهو خطأ، فليس فيه مجهول قط، والحق انه لا دليل فيه على النسخ كما قال ابن حجر: لاحتمال الاكتفاء بالامر الأول، لان نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر) وكما قال المؤلف هنا، واما حكاية ابن حزم عن مالك القول بأنها ليست فرضا فهو وهم منه أو ممن نقل عنه، قال مالك في الموطأ (ص 124): (تجب زكاة الفطر على أهل البادية كما تجب على أهل القرى، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين) وإنما حكاه السيوطي في شرح النسائي عن إبراهيم بن علية وأبا بكر الأصم وأشهب من المالكية وابن اللبان من الشافعية، وحكاه ابن رشد في بداية المجتهد (ج 1 ص 253) عن بعض المتأخرين من أصحاب مالك.
(2) في النسخة رقم (16) (والدليل) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (شيئا) وهو خطأ (4) بفتح الهمزة مع كسر القاف أو ضمها أو فتحها أو اسكانها، وبكسر الهمزة مع كسر القاف. أو اسكانها، وبضم الهمزة مع اسكان القاف فقط، وهو شئ يتخذوا من اللبن المخيض، كأنه نوع من الجبن الجاف
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست