قال أبو محمد: فافترض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس اجتناب البول جملة، وتوعد على ذلك بالعذاب، وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه بول دون بول، فيكون فاعل ذلك مدعيا على الله تعالى وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا علم له به بالباطل إلا بنص ثابت جلى ووجدناه عليه السلام قد سمى البول جملة والنجر جملة (الأخبثين) والخبيث محرم، قال الله تعالى: (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فصح أن كل أخبث وخبيث فهو حرام * فان قيل: إنما خاطب عليه السلام الناس فإنما أراد نجوهم وبولهم فقط. قلنا:
نعم إنما خاطب عليه السلام الناس ولكن أتى بالاسم الأعم الذي يدخل تحته جنس البول والنجو. ولا فرق بين من قال: إنما أراد عليه السلام نجو الناس خاصة وبولهم، وبين من قال: بل إنما أراد عليه السلام بول كل إنسان عليه خاصة لا بول غيره من الناس وكذلك في النجو، فصح أن الواجب حمل ذلك على ما تحت الاسم الجامع للجنس كله * فان قيل: إن هذا الخبر الذي فيه العذاب في البول إنما هو من رواية الأعمش عن مجاهد، وقد تكلم فيها، وأيضا فإنه مرة رواه عن مجاهد عن ابن عباس، ومرة عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، وأيضا فان ابن راهويه ومحمد بن العلاء ويحيى وأبا سعيد الأشج رووه عن وكيع عن الأعمش فقالوا فيه: (كان لا يستتر من بوله) وهكذا رواه عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن مجاهد * قال أبو محمد: هذا كله لا شئ. أما رواية الأعمش عن مجاهد فان الامامين شعبة ووكيعا ذكرا في هذا الحديث سماع الأعمش له من مجاهد فسقط هذا الاعتراض، وأيضا فقد رويناه آنفا من غير طريق الأعمش لكن من طريق منصور عن مجاهد عن ابن عباس، فسقط التعلل جملة. وأما رواية هذا الخبر مرة عن مجاهد عن ابن عباس ومرة عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس فهذا قوة للحديث، ولا يتعلل بهذا إلا جاهل مكابر للحقائق، لان كليهما إمام، وكلاهما صحب ابن عباس الصحبة الطويلة، فسمعه مجاهد من ابن عباس، وسمعه أيضا من طاوس عن ابن عباس فرواه كذلك، وإلا فأي شئ في هذا مما يقدح في الرواية؟ وددنا أن تبينوا لنا ذلك، ولا سبيل إليه إلا بدعوى فاسدة لهج