والجماع من أجلي فالصيام لي وأنا أجزي به الفاء واختلف العلماء في معنى هذا الكلام مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوال أظهرها قولان أحدهما أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره ويؤيده حديث الصيام لا رياء فيه قال الله عز وجل هو لي وأنا أجزي به رواه البيهقي في شعب الايمان من حديث أبي هريرة وسنده ضعيف والثاني أن جميع العبادات يوفى منها مظالم للعباد إلا الصيام روى البيهقي عن بن عيينة قال إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له إلا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة ويؤيده حديث كل العمل كفارة إلا الصوم الصوم لي وأنا أجزي به رواه أحمد وقيل سبب اضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد به أحد غير الله بخلاف السجود والصدقة والذكر وغير ذلك فإن الكفار عظموا به أصنامهم ولم يعظموها بالصوم في عصر من الاعصار وقيل لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ وقيل لأن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى فتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شئ وقيل معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابه وقيل هي إضافة تشريف كقوله تعالى ناقة الله وأن المساجد لله مع أن العالم كله لله تعالى وقيل معناه أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي (684) عن أبي هريرة أنه قال إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين قال بن عبد البر هذا لا يكون رأيا إلا توقيفا وقد روي مرفوعا عن حديث أبي سهيل قلت أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من طريق الزهري وغيره عن أبي سهيل به مرفوعا قال القاضي عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم لحرمته ويكون التصفيد ليمنعوا من إيذاء المؤمنين والتهويش عليهم ويحتمل أنه على المجاز ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعظم وأن الشياطين يقل اغواؤهم وإيذاؤهم فيصيرون كالمصفدين ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء لناس دون ناس ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموما كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها وكذلك تغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات ومعنى صفدت عنك والصفد بفتح الفاء الغل انتهى وحكاه النووي ولم يرد عنه ورجح بن المنير الأول وقال لا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره وكذا رجحه القرطبي وقال فإن قيل فكيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك فالجواب أنها تغل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه والمصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم كما روج في رواية الترمذي وغيره صفد الشياطين مردة الجن والمقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره أو لا يلزم من تصفيد جميعهم ألا يقع شر ولا معصية لا لذلك
(٢٩٥)