انزعج صدق الجاني بيمينه، وإلا فالمجني عليه بيمينه.
تنبيه: قضية كلامه تبعا للمحرر التخيير بين الأول والثاني وبه قال المتولي، وجعل ذلك في أصل الروضة خلافا فقال: وجهان، أحدهما وهو نصه في الام يراجع أهل الخبرة إلخ. والثاني: يمتحن بتقريب حديدة الخ، ورتب في الكفاية فقال يسألون، فإن تعذر الاخذ بقولهم امتحن، وظاهر كلامه أنه المعتبر وهو كذلك، وقال البلقيني: إنه متعين، وإذا جعلت أو في كلام المصنف للتنويع لا للتخيير: أي إذا عجز عن أهل الخبرة فينقل إلى الامتحان وافق ذلك، ثم إن قالوا يعود وقدروا مدة انتظر كالسمع، فإن مات قبل عوده في المدة وجبت الدية، لأن الظاهر عدم عوده لو عاش، وهل يجب القصاص أو لا؟ وجهان: أحدهما وهو الأوجه كما جرى عليه الرافعي تبعا للبغوي وصاحب المهذب. الثاني للشبهة، وصوب الزركشي الأول كما جزم به الماوردي وغيره، وإن ادعى الجاني عوده قبل الموت وأنكر الوارث صدق الوارث بيمينه، لأن الأصل عدم عوده. (وإن نقص) ضوء المجني عليه (فكالسمع) أي فحكمه كنقص السمع فإن عرف قدر النقص بأن كان يرى الشخص من مسافة فصار لا يراه إلا من نصفها مثلا فقسطه من الدية وإلا فحكومة، فإن نقص بعض ضوء عينه عصبت ووقف شخص في موضع يراه ويؤمر أن يتباعد حتى يقول لا أراه فتعرف المسافة، ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعا إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين، ويجب قسطه من الدية، فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع مثلا وبالأخرى من مائة فالنصف. نعم لو قال أهل الخبرة: إن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المائة الأولى لقرب الأولى وبعد الثانية وجب ثلثا دية العليلة، وإن أعشاه لزمه نصف دية، وفي إزالة عين الأعشى بآفة سماوية الدية، وإن كان مقتضى كلام التهذيب وجوب نصفها موزعا على إبصارها بالنهار وعدم إبصارها بالليل، وإن أعمشه أو أخفشه أو أحوله أو أشخص بصره فالواجب حكومة، وإن أذهب أحد شخصين الضوء والآخر الحدقة واختلفا في عود الضوء صدق الثاني بيمينه وإن كذبه المجني عليه، لأن الأصل عدم عوده.
حادثة: سئل ابن الصلاح عن رجل أرمد أتى امرأة لبادية تدعي الطب لتداوي عينه، فكحلته فتلفت عينه فهل يلزمها ضمانها؟. فأجاب: إن ثبت أن ذهاب عينه بتداويها فعلى عاقلتها ضمانها، فإن لم تكن فعلى بيت المال ، فإن تعذر فعليها في ما لها إلا أن يكون الأرمد أذن لها في المداواة بهذا الدواء المعين فلا تضمن. قال: ونظيره ما إذا أذن البالغ العاقل في قطع سلعته أو فصده فمات لا يضمن، أما إذا لم ينص عليه فلا يتناول إذنه ما يكون سببا في إتلافه.
الشئ الرابع هو ما ذكره بقوله: (وفي) إزالة (الشم) من المنخرين بجناية على رأس وغيره (دية على الصحيح) كما جاء في خبر عمرو بن حزم وهو غريب، ولأنه من الحواس النافعة فكملت فيه الدية كالسمع. والثاني لا بل حكومة لأنه ضعيف النفع، إذ منفعته إدراك الروائح والأنتان أكثر من الطيبات فيكون التأذي أكثر من التلذذ، وعلى الأول ففي إزالة شم كل منخر نصف دية، ولو نقص الشم وجب بقسطه من الدية إذا أمكن معرفته وإلا فالحكومة، وإن نقص شم أحد المنخرين اعتبر بالجانب الآخر كما في السمع والبصر كما بحثه في أصل الروضة وصرح به سليم.
تنبيه: لو أنكر الجاني زواله امتحن المجني عليه في غفلاته بالروائح الحادة، فإن هش للطيب وعبس لغيره حلف الجاني لظهور كذب المجني عليه وإلا حلف هو لظهور صدقه مع أنه لا يعرف إلا منه. ولو وضع المجني عليه يده على أنفه فقال له الجاني فعلت ذلك لعود شمك، فقال: بل فعلته اتفاقا أو لغرض آخر كامتخاط ورعاف وتفكر صدق بيمينه لاحتمال ذلك. فإن قطع أنفه فذهب شمه فديتان كما في السمع، لأن الشم ليس في الانف.
فائدة: الشم عند الحكماء قوة أودعها الله تعالى في الزائدتين الناتئتين من مقدم الدماغ بين العينين عند منتهى قصبة الانف الشبيهتين بحلمتي الثديين لما فيهما من الثقب يدرك بتلك القوة الروائح بطريق وصول الهواء المتكيف بكيفية ذي الرائحة إلى الخيشوم، وعند أهل السنة أن الادراك المذكور بمشيئة الله تعالى: