مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٧١
انزعج صدق الجاني بيمينه، وإلا فالمجني عليه بيمينه.
تنبيه: قضية كلامه تبعا للمحرر التخيير بين الأول والثاني وبه قال المتولي، وجعل ذلك في أصل الروضة خلافا فقال: وجهان، أحدهما وهو نصه في الام يراجع أهل الخبرة إلخ. والثاني: يمتحن بتقريب حديدة الخ، ورتب في الكفاية فقال يسألون، فإن تعذر الاخذ بقولهم امتحن، وظاهر كلامه أنه المعتبر وهو كذلك، وقال البلقيني: إنه متعين، وإذا جعلت أو في كلام المصنف للتنويع لا للتخيير: أي إذا عجز عن أهل الخبرة فينقل إلى الامتحان وافق ذلك، ثم إن قالوا يعود وقدروا مدة انتظر كالسمع، فإن مات قبل عوده في المدة وجبت الدية، لأن الظاهر عدم عوده لو عاش، وهل يجب القصاص أو لا؟ وجهان: أحدهما وهو الأوجه كما جرى عليه الرافعي تبعا للبغوي وصاحب المهذب. الثاني للشبهة، وصوب الزركشي الأول كما جزم به الماوردي وغيره، وإن ادعى الجاني عوده قبل الموت وأنكر الوارث صدق الوارث بيمينه، لأن الأصل عدم عوده. (وإن نقص) ضوء المجني عليه (فكالسمع) أي فحكمه كنقص السمع فإن عرف قدر النقص بأن كان يرى الشخص من مسافة فصار لا يراه إلا من نصفها مثلا فقسطه من الدية وإلا فحكومة، فإن نقص بعض ضوء عينه عصبت ووقف شخص في موضع يراه ويؤمر أن يتباعد حتى يقول لا أراه فتعرف المسافة، ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعا إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين، ويجب قسطه من الدية، فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع مثلا وبالأخرى من مائة فالنصف. نعم لو قال أهل الخبرة: إن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المائة الأولى لقرب الأولى وبعد الثانية وجب ثلثا دية العليلة، وإن أعشاه لزمه نصف دية، وفي إزالة عين الأعشى بآفة سماوية الدية، وإن كان مقتضى كلام التهذيب وجوب نصفها موزعا على إبصارها بالنهار وعدم إبصارها بالليل، وإن أعمشه أو أخفشه أو أحوله أو أشخص بصره فالواجب حكومة، وإن أذهب أحد شخصين الضوء والآخر الحدقة واختلفا في عود الضوء صدق الثاني بيمينه وإن كذبه المجني عليه، لأن الأصل عدم عوده.
حادثة: سئل ابن الصلاح عن رجل أرمد أتى امرأة لبادية تدعي الطب لتداوي عينه، فكحلته فتلفت عينه فهل يلزمها ضمانها؟. فأجاب: إن ثبت أن ذهاب عينه بتداويها فعلى عاقلتها ضمانها، فإن لم تكن فعلى بيت المال ، فإن تعذر فعليها في ما لها إلا أن يكون الأرمد أذن لها في المداواة بهذا الدواء المعين فلا تضمن. قال: ونظيره ما إذا أذن البالغ العاقل في قطع سلعته أو فصده فمات لا يضمن، أما إذا لم ينص عليه فلا يتناول إذنه ما يكون سببا في إتلافه.
الشئ الرابع هو ما ذكره بقوله: (وفي) إزالة (الشم) من المنخرين بجناية على رأس وغيره (دية على الصحيح) كما جاء في خبر عمرو بن حزم وهو غريب، ولأنه من الحواس النافعة فكملت فيه الدية كالسمع. والثاني لا بل حكومة لأنه ضعيف النفع، إذ منفعته إدراك الروائح والأنتان أكثر من الطيبات فيكون التأذي أكثر من التلذذ، وعلى الأول ففي إزالة شم كل منخر نصف دية، ولو نقص الشم وجب بقسطه من الدية إذا أمكن معرفته وإلا فالحكومة، وإن نقص شم أحد المنخرين اعتبر بالجانب الآخر كما في السمع والبصر كما بحثه في أصل الروضة وصرح به سليم.
تنبيه: لو أنكر الجاني زواله امتحن المجني عليه في غفلاته بالروائح الحادة، فإن هش للطيب وعبس لغيره حلف الجاني لظهور كذب المجني عليه وإلا حلف هو لظهور صدقه مع أنه لا يعرف إلا منه. ولو وضع المجني عليه يده على أنفه فقال له الجاني فعلت ذلك لعود شمك، فقال: بل فعلته اتفاقا أو لغرض آخر كامتخاط ورعاف وتفكر صدق بيمينه لاحتمال ذلك. فإن قطع أنفه فذهب شمه فديتان كما في السمع، لأن الشم ليس في الانف.
فائدة: الشم عند الحكماء قوة أودعها الله تعالى في الزائدتين الناتئتين من مقدم الدماغ بين العينين عند منتهى قصبة الانف الشبيهتين بحلمتي الثديين لما فيهما من الثقب يدرك بتلك القوة الروائح بطريق وصول الهواء المتكيف بكيفية ذي الرائحة إلى الخيشوم، وعند أهل السنة أن الادراك المذكور بمشيئة الله تعالى:
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548