القاضي رد الشهادة به لأنه قد يتغير اجتهاده. وقضية التعليل عدم اللزوم إذا كان القاضي مقلدا من يفسق بذلك، وهو كما قال شيخنا ظاهر. فإن قيل: قد يمتنع بأنه يجوز أن يقلد غير مقلده. أجيب بأن اعتبار مثل هذا الجواز بعيد. وهل يجوز للعدل أن يشهد ببيع عند من يرى إثبات الشفعة للجار وهو لا يراه أو لا؟ وجهان، أفقههما كما قال شيخنا الجواز، والبيع مثال، والضابط أن يشهد بما يعلم أن القاضي يرتب عليه ما لا يعتقده.
فروع: لو كان مع المجمع على فسقه عدل لم يلزمه الأداء إلا فيما يثبت بشاهد ويمين، إذ لا فائدة فيه فيما عداه.
ولو امتنع الشاهد من الأداء حياء من المشهود عليه أو غيره عصى وردت شهادته إلى أن تصح توبته. ولو قال المدعي للقاضي شاهدي ممتنع من أداء الشهادة لي عنادا فأحضره ليشهد لم يجبه إلى ذلك، لأنه لو شهد لم تقبل شهادته له، لأنه فاسق بالامتناع بزعمه بخلاف ما لم يقل عنادا، لاحتمال أن يكون امتناعه لعذر شرعي. (و) الشرط الثالث (أن لا يكون) المدعو (معذور بمرض ونحوه) كخوفه على ماله، أو تعطل كسبه في ذلك الوقت إلا إن بذل له قدر كسبه، أو طلبه في حر أو برد شديد، وكتخدير المرأة، وكذا كل عذر يسقط عنه به الجمعة، (فإن كان) المدعو معذورا لم يلزمه الأداء، (وأشهد على شهادته) غيره (أو بعث القاضي) إليه (من يسمعها) دفعا للمشقة عنه تنبيه: قضية حصره الشروط الثلاثة المذكورة عدم اشتراط كون المدعو إليه قاضيا وعدم كونه أهلا للقضاء، وهو كذلك، فلو دعي إلى أمير أو نحوه كوزير وعلم حصول الحق به وجب عليه الأداء عنده كما في زيادة الروضة.
وينبغي كما في التوضيح حمله على ما إذا علم أن الحق لا يخلص إلا عنده، وإليه يرشد قولهم: إذا علم أنه يصل به للحق فقول المصنف في باب القضاء على الغائب أن منصب سماع البينة مختص بالقضاء، هو يقتضي أنه لا يجب في غير القاضي محمول على غير هذا. ويجب عليه الأداء أيضا إذا دعي إلى قاض جائر، أو امتنعت في الشهادة على الأصح في زيادة الروضة. ومن شروط الوجوب أن لا يكون في حد لله تعالى، فإن كان، قال المصنف: إن رأى المصلحة في الشهادة شهدوا وإلا فلا، إلا إن ترتب على تركها حد على غير الشاهد مثل أن لا يكمل النصاب إلا به فإنه يجب عليه الأداء كما قاله الماوردي. قال ابن سراقة: وربما أثم الشاهد بالأداء، مثل أن يشهد على مسلم أنه قتل كافرا والحاكم عراقي فلا يجوز له الأداء لما في ذلك من قتل المسلم بالكافر. وإذا اجتمعت الشروط وكان في صلاة أو حمام أو على طعام أو نحو ذلك فله التأخير إلى أن يفرغ. ولو رد قاض شهادته لجرحه ثم دعى إلى قاض آخر لا إليه لزمه أداؤها. ولو دعي في وقت واحد لشهادتين بحقين، فإن تساويا تخير في إجابة من شاء من الداعيين، وإن اختلف قدم ما يخاف فوته، فإن لم يخف فوته تخير، قاله ابن عبد السلام. قال الزركشي ويحتمل الاقراع وهو أوجه.
تتمة: ليس للشاهد أخذ رزق لتحمل الشهادة من الإمام أحد أو الرعية، وأما أخذه من بيت المال فهو كالقاضي، وتقدم تفصيله، وإن قال المقري: ليس له الاخذ مطلقا، وقال غيره: له ذلك بلا تفصيل. وله بكل حال أخذ أجرة من المشهود له على التحمل وإن تعين عليه إن دعي له، فإن تحمل بمكانه فلا أجرة له. وليس له أخذ أجرة للأداء إن لم يتعين عليه لأنه فرض عليه فلا يستحق عوضا، ولأنه كلام يسير لا أجرة لمثله. وفارق التحمل بأن الاخذ للأداء يورث تهمة قوية مع أن زمنه يسير ولا تفوت به منفعة متقومة، بخلاف زمن التحمل، إلا إن دعي من مسافة عدوى فأكثر فله نفقة الطريق وأجرة المركوب وإن لم يركب. نعم لمن في البلد أخذ الأجرة إن احتاج إليها، وله صرف ما يعطيه له المشهود له إلى غير النفقة والأجرة، وكذا من أعطى شيئا فقيرا ليكسو به نفسه للفقير أن يصرفه لغير الكسوة، ثم إن مشى الشاهد من بلد إلى بلد مع قدرته على الركوب، قد تنخرم المروءة فيظهر امتناعه فيمن هذا شأنه، قاله الأسنوي. قال الأذرعي: لا يتقيد ذلك ببلدين، بل قد يأتي في البلد الواحد، فيعد ذلك خرما للمروءة إلا أن تدعو الحاجة إليه، أو يفعله تواضعا.
فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها: (تقبل الشهادة على الشهادة) لعموم قوله تعالى: *