فإن تبين الحال أو اصطلحا على شئ فواضح، وإلا قسم بينهما نصفين وسلم النصف الآخر لمن أثر جرحه فيخلص له ثلاثة أرباع الصيد، وللآخر ربعه كما نقله في أصل الروضة عن الإمام واقتضى كلام الغزالي ترجيحه وجرى عليه ابن المقري خلافا لما في أصل الروضة عن القفال من أنه لا وقف. ثم شرع في الحال الرابع بقوله: (وإن ذفف واحد) في غير مذبح (وأزمن آخر) مرتبا (وجهل السابق) منهما (حرم) الصيد على المذهب لاجتماع الحظر والإباحة، فإنه يحتمل سبق التذفيف فيحل، أو تأخره فلا يحل بعده إلا بقطع الحلقوم والمرئ، وفي قول من طريق ثان لا يحرم لاحتمال تأخر الأزمان. أما لو ذفف أحدهما في المذبح فإنه يحل قطعا ويكون بينهما كما استظهره في المطلب، لأن كلا من الجرحين مهلك لو انفرد، فإذا جهل السابق لم يكن أحدهما أولى به من الآخر، فإن ادعى كل منهما أنه المزمن له أولا فلكل تحليف صاحبه، فإن حلفا اقتسماه ولا شئ لأحدهما على الآخر، أو حلف أحدهما فقط فهو له، وله على الناكل أرش ما نقص بالذبح.
تنبيه: الاعتبار في الترتيب والمعية بالإصابة، لا بابتداء الرمي، كما أن الاعتبار في كونه مقدورا عليه أو غير مقدور عليه بحالة الإصابة، فلو رمى غير مقدور عليه فأصابه وهو مقدور عليه لم يحل إلا بإصابته في المذبح، وإن رماه وهو مقدور عليه وأصابه وهو غير مقدور عليه حل مطلقا.
خاتمة: لو أرسل كلبا وسهما فأزمنه الكلب ثم ذبحه السهم حل، وإن أزمنه السهم ثم قتله الكلب حرم، ولو أخبر فاسق أو كتابي أنه ذبح هذه الشاة مثلا حل أكلها لأنه من أهل الذبح، فإن كان في البلد مجوس ومسلمون وجهل ذابح الشاة هل هو مسلم أو مجوسي لم يحل أكلها للشك في الذبح المبيح، والأصل عدمه. نعم إن كان المسلمون أغلب كما في بلاد الاسلام فينبغي كما قال شيخنا أن تحل كنظيره فيما مر في باب الاجتهاد عن الشيخ أبي حامد وغيره فيما لو وجد قطعة لحم، أما إذا لم يكن فيه مجوس فتحل، وفي معنى المجوس كل من لا تحل ذبيحته.
كتاب الأضحية مشتقة من الضحوة، وسميت بأول زمان فعلها، وهو الضحى، وفيها لغات: ضم همزها وكسره وتشديد يائها وتخفيفها وجمعها أضاح، ويقال: ضحية بفتح ضادها وكسره ضحايا، ويقال أيضا: إضاحة بكسر همزها وضمها وجمعها أضحى بالتنوين كأرطاة وأرطا، فهذه ثمان لغات فيها. وهي ما يذبح من النعم تقربا إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) * الآية، فهي من أعلام دين الله، وقوله تعالى: * (فصل لربك وانحر) * على أشهر الأقوال، أن المراد بالصلاة صلاة العيد، وبالنحر الضحايا وخبر مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما والأملح قيل الأبيض الخالص، وقيل الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل الذي تعلوه حمرة وقيل غير ذلك وخبر الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي (ص) قال: ما عمل ابن آدم يوم النحر من عمل أحب إلى الله تعالى من إراقة الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا وذكر الرافعي وابن الرفعة حديث: عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم لكن قال ابن الصلاح: إنه غير ثابت. (هي) أي التضحية كما في الروضة والمحرر وغيرهما لا الأضحية كما يوهمه كلامه لأن الأضحية اسم لما يضحى به (سنة) مؤكدة في حقنا، أما في حقه صلى الله عليه وسلم فواجبة لحديث: أمرت