السبع ينفر فيه من الآدمي كما مر، والمجنون الضاري كالسبع المغري في المضيق، ولو ألقاه مكتوفا بين يدي السبع في مكان متسع فقتله فلا ضمان، ولو السعة حية مثلا فقتلته، فإن كانت مما يقتل غالبا فعمد وإلا فشبهه (ولو تبع بسيف) أو نحوه مكلفا بصيرا أو مميزا (هاربا منه فرمى نفسه بماء أو نار) أو نحوه من المهلكات كبئر (أو من سطح) عال أو من شاهق جبل فمات أو لقيه لص في طريقه فقتله أو سبع فافترسه ولم يلجئه إليه بمضيق، سواء كان المطلوب بصيرا أم أعمى (فلا ضمان) له على التابع لأنه فيما عدا الأخيرتين باشر هلاك نفسه قصدا، والمباشرة مقدمة على السبب فصار كما لو حفر بئرا فجاء آخر وردى نفسه فيها. وفي الأخيرتين لم يوجد من التابع إهلاك، ومباشرة السبع أو اللص العارضة كعروض القتل على إمساك الممسك، أما إذا كان المطلوب صبيا أو مجنونا لا تمييز له فإنه يجب الضمان في هذه الصورة لأن عمدهما خطأ بخلاف ما إذا كان لهما تمييز فإن عمدهما عمد كما مر في الكلام على الاكراه على القتل (فلو وقع) الهارب فيما ذكر (جاهلا) به (لعمى أو ظلمة) في نهار أو ليل أو لتغطية بئر (ضمن) التابع له، لأنه لم يقصد إهلاك نفسه وقد ألجأه المتبع إلى الهرب المفضي إلى الهلاك (وكذا لو انخسف به) أي الهارب صبيا كان أو بالغا (سقف في هربه) ومات بذلك ضمنه التابع أيضا (في الأصح) المنصوص لأنه حمله على الهرب وألجأه إليه، فأشبه ما لو وقع في بئر مغطاة، والثاني لا، لعدم شعوره بالمهلك.
تنبيه: محل الخلاف ما إذا كان سبب الانخساف ضعف السقف ولم يشعر به المطلوب، أما لو ألقى نفسه على السقف من علو فانخسف لثقله لم يضمنه التابع قطعا لأنه باشر ما يفضي إلى الهلاك كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار. وأما من لا تمييز له أصلا لجنون أو صغر فمضمون إذ عمده خطأ كما نبه على ذلك الزركشي (ولو سلم) بضم أوله (صبي إلى سباح ليعلمه) السباحة، وهي العوم (فغرق) بتعليمه أو بإلقائه في الماء (وجبت ديته) على عاقلة السابح لأنه مات بإهماله وقد التزم بحفظه، فتكون ديته شبه عمد على الصحيح كما لو هلك الصبي بضرب المعلم تأديبا. وقول الماوردي: وجوب الدية على السابح أول على أنها تلاقيه ابتداء، وسواء أخذه السابح بيده وألقاه في الماء أو كان الصبي على الشط فأشار إليه بدخول الماء فدخل باختياره وغرق كما يشعر به إطلاقه، وهو موافق لبحث البسيط خلافا للجرجاني من تصحيحه عدم الضمان. فإن قيل: قد مر أنه ألقاه في مسبعة لم يضمن مع أن الخطر فيها أكثر، وهنا الخطر قليل، وقد تدعو الحاجة إليه، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن الماء مهلك، فالتفريط من السباح، وليست المسبعة بنفسها مهلكة لاحتمال بقائه.
تنبيه: محل وجوب الدية كما قال البلقيني إذا لم يقع من السباح تقصير، فلو رفع يديه من تحته عمدا فغرق وجب القصاص. وأشعر قوله: سلم بأن السباح لو تسلمه بنفسه لا ضمان، وقوله إلى سباح بأن الولي لو كان هو المعلم للسباحة فلا ضمان أيضا، وليس مرادا، بل الأصح فيهما الضمان، وأشعر أيضا بأنه لا فرق بين كون المسلم للصبي وليه أو أجنبيا، وهو كلك، لكن في تسليم الأجنبي يكون هو والسباح شريكين. وخرج بالصبي بالبالغ العاقل، فلو سلم نفسه للسباح ليعلمه فغرق هدر لاستقلاله، فعليه أن يحتاط لنفسه ولا يغتر بقول السباح.
فائدة: اختلف في قوله تعالى: * (والسابحات سبحا) * فقيل النجوم لأنها تسبح في الفلك، وقيل الملائكة لأنها تتصرف في الأمور بأمر الله تعالى تجئ وتذهب، وقيل الشمس والقمر والليل والنهار، وقيل السحاب لأنها كالقائمة في الهواء، وقيل المنايا تسبح في نفوس الحيوان، وقيل جماعة الخيل ولذلك يقال للفرس سابح، وقيل حيتان البحر وهي من عظيم المخلوقات. فيروى أن الله تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان: منها أربعمائة في البر، وستمائة في البحر. (ويضمن) الشخص (بحفر بئر عدوان) كحفرها بملك غيره بغير إذنه أو في مشترك بغير إذن