مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٨٢
السبع ينفر فيه من الآدمي كما مر، والمجنون الضاري كالسبع المغري في المضيق، ولو ألقاه مكتوفا بين يدي السبع في مكان متسع فقتله فلا ضمان، ولو السعة حية مثلا فقتلته، فإن كانت مما يقتل غالبا فعمد وإلا فشبهه (ولو تبع بسيف) أو نحوه مكلفا بصيرا أو مميزا (هاربا منه فرمى نفسه بماء أو نار) أو نحوه من المهلكات كبئر (أو من سطح) عال أو من شاهق جبل فمات أو لقيه لص في طريقه فقتله أو سبع فافترسه ولم يلجئه إليه بمضيق، سواء كان المطلوب بصيرا أم أعمى (فلا ضمان) له على التابع لأنه فيما عدا الأخيرتين باشر هلاك نفسه قصدا، والمباشرة مقدمة على السبب فصار كما لو حفر بئرا فجاء آخر وردى نفسه فيها. وفي الأخيرتين لم يوجد من التابع إهلاك، ومباشرة السبع أو اللص العارضة كعروض القتل على إمساك الممسك، أما إذا كان المطلوب صبيا أو مجنونا لا تمييز له فإنه يجب الضمان في هذه الصورة لأن عمدهما خطأ بخلاف ما إذا كان لهما تمييز فإن عمدهما عمد كما مر في الكلام على الاكراه على القتل (فلو وقع) الهارب فيما ذكر (جاهلا) به (لعمى أو ظلمة) في نهار أو ليل أو لتغطية بئر (ضمن) التابع له، لأنه لم يقصد إهلاك نفسه وقد ألجأه المتبع إلى الهرب المفضي إلى الهلاك (وكذا لو انخسف به) أي الهارب صبيا كان أو بالغا (سقف في هربه) ومات بذلك ضمنه التابع أيضا (في الأصح) المنصوص لأنه حمله على الهرب وألجأه إليه، فأشبه ما لو وقع في بئر مغطاة، والثاني لا، لعدم شعوره بالمهلك.
تنبيه: محل الخلاف ما إذا كان سبب الانخساف ضعف السقف ولم يشعر به المطلوب، أما لو ألقى نفسه على السقف من علو فانخسف لثقله لم يضمنه التابع قطعا لأنه باشر ما يفضي إلى الهلاك كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار. وأما من لا تمييز له أصلا لجنون أو صغر فمضمون إذ عمده خطأ كما نبه على ذلك الزركشي (ولو سلم) بضم أوله (صبي إلى سباح ليعلمه) السباحة، وهي العوم (فغرق) بتعليمه أو بإلقائه في الماء (وجبت ديته) على عاقلة السابح لأنه مات بإهماله وقد التزم بحفظه، فتكون ديته شبه عمد على الصحيح كما لو هلك الصبي بضرب المعلم تأديبا. وقول الماوردي: وجوب الدية على السابح أول على أنها تلاقيه ابتداء، وسواء أخذه السابح بيده وألقاه في الماء أو كان الصبي على الشط فأشار إليه بدخول الماء فدخل باختياره وغرق كما يشعر به إطلاقه، وهو موافق لبحث البسيط خلافا للجرجاني من تصحيحه عدم الضمان. فإن قيل: قد مر أنه ألقاه في مسبعة لم يضمن مع أن الخطر فيها أكثر، وهنا الخطر قليل، وقد تدعو الحاجة إليه، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن الماء مهلك، فالتفريط من السباح، وليست المسبعة بنفسها مهلكة لاحتمال بقائه.
تنبيه: محل وجوب الدية كما قال البلقيني إذا لم يقع من السباح تقصير، فلو رفع يديه من تحته عمدا فغرق وجب القصاص. وأشعر قوله: سلم بأن السباح لو تسلمه بنفسه لا ضمان، وقوله إلى سباح بأن الولي لو كان هو المعلم للسباحة فلا ضمان أيضا، وليس مرادا، بل الأصح فيهما الضمان، وأشعر أيضا بأنه لا فرق بين كون المسلم للصبي وليه أو أجنبيا، وهو كلك، لكن في تسليم الأجنبي يكون هو والسباح شريكين. وخرج بالصبي بالبالغ العاقل، فلو سلم نفسه للسباح ليعلمه فغرق هدر لاستقلاله، فعليه أن يحتاط لنفسه ولا يغتر بقول السباح.
فائدة: اختلف في قوله تعالى: * (والسابحات سبحا) * فقيل النجوم لأنها تسبح في الفلك، وقيل الملائكة لأنها تتصرف في الأمور بأمر الله تعالى تجئ وتذهب، وقيل الشمس والقمر والليل والنهار، وقيل السحاب لأنها كالقائمة في الهواء، وقيل المنايا تسبح في نفوس الحيوان، وقيل جماعة الخيل ولذلك يقال للفرس سابح، وقيل حيتان البحر وهي من عظيم المخلوقات. فيروى أن الله تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان: منها أربعمائة في البر، وستمائة في البحر. (ويضمن) الشخص (بحفر بئر عدوان) كحفرها بملك غيره بغير إذنه أو في مشترك بغير إذن
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548