وما نقل عن الإمام الشافعي رضي الله عنه ليس على هذا الوجه، فإن القرآن بالهمز عند الشافعي يقع على القليل والكثير، والقرآن بغير همز عنده اسم جمع كما أفاده البغوي في تفسير سورة البقرة، ولغة الشافعي بغير همزة، والواقف على كلام الشافعي يظنه مهموزا، وإنما ينطق في ذلك بلغته المألوفة لا بغيرها، وبهذا اتضح الاشكال وأجيب عن السؤال.
كتاب الكتابة وهي بكسر الكاف على الأشهر، وقيل بفتحها كالعتاقة لغة الضم والجمع، لأن فيها ضم نجم إلى نجم، والنجم يطلق على الوقت الذي يحل فيه مال الكتابة كما سيأتي للعرف الجاري بكتابة ذلك في كتاب يوافقه. وشرعا: عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين فأكثر. ولفظها إسلامي لا يعرف في الجاهلية، وهي معدولة عن قواعد المعاملات من وجوه، الأول: أن السيد باع ماله بماله، لأن الرقبة والكسب له. ال: يثبت في ذمة العبد لمالكه مال ابتداء. الثالث:
يثبت الملك للعبد، فإن هذا العقد يقتضي تسليطه على الملك مع بقائه على الرق ولكن جوزها الشارع لمسيس الحاجة، فإن العتق مندوب إليه، والسيد قد لا يسمح به مجانا، والعبد لا مال له يفدي به نفسه، فإذا علق عتقه بالكتابة استفرغ الوسع وتنامي في تحصيل الاكتساب لإزالة الرق، فاحتمل الشرع فيها ما لا يحتمل في غيرها كما احتمل الجهالة في ربح القراض وعمل الجعالة للحاجة. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) *، وقوله (ص): المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وكانت الكتابة من أعظم مكاسب الصحابة رضي الله تعالى عنهم، قيل: أول من كوتب عبد لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقال له أبو أمية. (هي مستحبة) لا واجبة وإن طلبها الرقيق قياسا على التدبير وشراء القريب، ولئلا يتعطل الملك وتتحكم المماليك على المالكين. وإنما تستحب (إن طلبها رقيق) كله أو بعضه كما سيأتي، (أمين قوى على كسب) وبهما فسر الشافعي الخبر في الآية. واعتبرت الأمانة لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق، والقدرة على الكسب ليوثق بتحصيل النجوم.
ويفارق الايتاء حيث أجري على ظاهر الامر من الوجوب كما سيأتي، لأنه مواساة وأحوال الشرع لا تمنع وجوبها كالزكاة.
تنبيه: قوله: على كسب قد يوهم أنه أي كسب كان، وليس مرادا، بل لا بد أن يكون قادرا على كسب يوفي ما التزمه من النجوم. (قيل: أو) طلبها (غير قوي) إذا كان أمينا، لأنه إذا عرفت أمانته أعين بالصدقات ليعتق، والأول قال لا يوثق بذلك. (ولا تكره) الكتابة (بحال) وإن انتفى الوصفان، بل هي مباحة حينئذ لأنها قد تفضي إلى العتق. ويستثنى كما قال الأذرعي ما إذا كان الرقيق فاسقا بسرعة أو نحوها وعلم السيد أنه لو كاتبه مع العجز عن الكسب لاكتسب بطريق الفسق فإنها بها تكره، بل ينبغي تحريمها لتضمنها التمكين من الفساد، ولو امتنع الرقيق منها وقد طلبها سيده لم يجبر عليه كعكسه. وأركانها أربعة: صيغة ورقيق وسيد وعوض. وقد شرع في الأول منها فقال:
(وصيغتها) أي صيغة إيجابها الصريح من جانب السيد الناطق قوله لعبده: (كاتبتك) أو أنت مكاتب (على كذا) كألف (منجما) مع قوله: (إذا أديته فأنت حر) لأن لفظ الكتابة يصلح لهذا وللمخارجة فلا بد من تمييزها، فإذا قال: فإن أديته فأنت حر تعين للكتابة. أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة بذلك. (ويبين) وجوبا قدر العوض وصفته، و (عدد النجوم) وقدرها (وقسط كل نجم) والنقد إن لم يكن ثم نقد غالب، لأنها عقد معاوضة فاشترط فيه معرفة العوض كالبيع. ولا يشترط تساوي النجوم، ولا يشترط تعيين ابتداء النجوم بل يكفي الاطلاق