تنبيه: ظاهر كلام الشيخين أنه يكتفى بقولهم إنهم مكرهون وهو ظاهر إطلاق الجمهور، وإن قال المتولي والبندنيجي أنه لا بد من ثبوت كونهم مكرهين عند الإمام، هذا في أهل الذمة، وأما أهل العهد فلا تقبل دعواهم الاكراه إلا ببينة عند الشيخين، لأن إمام أهل الذمة أقوى بدليل أنه لو خاف الإمام من أهل العهد الخيانة نبذ إليهم عهدهم بخلاف أهل الذمة، واحترز بعالمين عما تضمنه قوله (وكذا إن قالوا ظننا جوازه) أي أنه يجوز لنا إعانة بعض المسلمين على بعض، أو ظننا أنهم يستعينون بنا على قتال كفار، وأمكن صدقهم كما أشار إليه في البسيط، فلا ينتقض عهدهم بالظن المذكور (أو) ظننا (أنهم محقون) فيما فعلوه، وأن لنا إعانة المحق فلا ينتقض عهدهم أيضا (على المذهب) لموافقتهم طائفة من المسلمين مع عذرهم، ولا بد في دعواهم الجهل من إمكان صدقهم كما ذكره الإمام والغزالي وإلا فلا تقبل، وزاد الرافعي في شرحيه بعد قوله وأنهم محقون، وأن لهم إعانة المحق، وإلا فليس لهم قتال المحقين ولا المبطلين، وناقش الوجيز بترك ذلك وأسقطه من الروضة كما هنا، وقد قدرته في كلامه وفي قوله أنه ينتقض، ولو ادعوا ذلك كما لو استقلوا بالقتال، وتعبير المصنف بكذا يقتضي أنه لا خلاف في أن المكره لا ينتقض عهده، وليس مرادا، بل فيه الطريقان، فلو جمع بين المسألتين بعبارة واحدة لكان أولى.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يشترط عليهم الإمام ترك القتال في عقد الذمة وإلا فينتقض قطعا، ولو قاتل أهل الذمة أهل البغي لم ينتقض عهدهم على الصحيح، لأنهم حاربوا من يلزم الإمام محاربته. (ويقاتلون) حيث قلنا بعدم انتقاض عهدهم في المسائل الثلاث (كبغاة) أي كقتالهم، لأن الأمان حقن دماءهم كما أن الاسلام حقن دماء البغاة، أما إذا انتقض عهدهم فحكمه مذكور في الجزية.
تنبيه: تشبيه المصنف لهم بالبغاة في المقاتلة يقتضي أنهم لا يلحقون بهم في نفي ضمان ما يتلفونه في حال القتال وهو كذلك، لأنا أسقطنا الضمان عن البغاة لاستمالة قلوبهم وردهم إلى الطاعة، لئلا ينفرهم الضمان وأهل الذمة في قبضة الإمام، وهل يجب عليهم القصاص؟ وجهان: في الروضة كأصلها بلا ترجيح، أرجحهما كما قال البلقيني: الوجوب.
وقال إنه ظاهر نص الشافعي، وخرج بأهل الذمة غيرهم من المعاهدين والمؤمنين فينتقض عهدهم ولا يقبل عذرهم إلا في الاكراه، ولا بد من بينة في دعواهم الاكراه كما مر عن الشيخين.
فرع: لو اقتتل طائفتان باغيتان منعهما الإمام، فلا يعين إحداهما على الأخرى، وإن عجز عن منعهما قاتل أشرهما بالأخرى التي هي أقرب إلى الحق، وإن رجعت لم يفاجئ الأخرى بالقتال حتى يدعوها إلى الطاعة لأنها صارت باستعانته بها في أمانه، فإن استوتا قال الماوردي: ضم إليه أقلهما جمعا ثم أقربهما دارا ثم يجتهد فيهما وقاتل بالمضمومة إليه منهما الأخرى غير قاصد إعانتها بل قاصدا دفع الأخرى، ولو غزا البغاة مع الإمام مشركين فكأهل العهد في حكم الغنائم فيعطى القاتل منهم السلب كغيره من أهل العدل، ولو عاهد البغاة مشركا اجتنباه بأن لا نقصده بما نقصد به الحربي غير المعاهد ولو قتل عادل عادلا في القتال وقال: ظننته باغيا، حلف ووجبت الدية دون القصاص للعذر، ولو تعمد عادل قتل باغ أمنه عادل ولو كان المؤمن له عبدا أو امرأة اقتص منه وإن كان جاهلا بأمانه لزمه الدية. ولما قدم المصنف أن البغي هو الخروج على الإمام الأعظم وهو القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا فيا لها رتبة ما أسناها ومرتبة ما أعلاها احتاج إلى تعريفه فعقد له فصلا، فقال:
فصل: في شروط الإمام الأعظم وبيان انعقاد طرق الإمامة، وهي فرض كفاية كالقضاء، إذ لا بد للأمة من إمام يقيم الدين وينصر السنة وينصف المظلوم من الظالم ويستوفي الحقوق ويضعها مواضعها، وقدما في الشرح والروضة الكلام على الإمامة على أحكام البغاة، وما في الكتاب أولى، لأن الأول هو المقصود بالذات. وقد بدأ بالقسم الأول وهو الشروط بقوله (شرط الإمام) الأعظم هو مفرد مضاف فيعم كل شرط، أي شروطه حال عقد الإمامة أو العهد بها