الذي لم يعينا له بدلا، وهو نصف سالم، وفي الباقي خلاف تبعيض الشهادة، فعلى ما صححه الأصحاب من صحة التبعيض يعتق نصف سالم مع كل غانم، والمجموع قدر الثلث. (فإن كان الوارثان) الحائزان (فاسقين لم يثبت الرجوع) عن الوصية لسالم لعدم قبول شهادة الفاسق، (فيعتق سالم) بشهادة الأجنبيين، لأن الثلث يحتمله ولم يثبت الرجوع فيه. (و) يعتق (من غانم) قدر ما يحتمله (ثلث ماله بعد سالم) وكأن سالما هلك أو غصب من التركة مؤاخذة للورثة بإقرارهم.
تنبيه: لو لم يتعرضا للرجوع أقرع بينهما، نعم إن كانا فاسقين عتق غانم وثلثا سالم كما بحثه بعض المتأخرين.
تتمة: لو قال السيد لعبده: إن قتلت أو إن مت في رمضان فأنت حر فأقام العبد بينة بأنه قتل في الأولى أو بأنه مات في رمضان في الثانية، وأقام الوارث بينة بموته حتف أنفه في الأولى وبموته في شوال في الثانية قدمت بينة العبد، لأن معها زيادة علم بالقتل في الأولى وبحدوث الموت في رمضان في الثانية، ولا قصاص في الأولى لأن الوارث منكر للقتل، فإن أقام الوارث بينة في الثانية بموته في شعبان قدمت بينته، لأنها ناقلة. وإن علق عتق سالم بموته في رمضان أو في مرضه وعلق عتق غانم بموته في شوال أو بالبرء من مرضه فأقاما بينتين بموجب عتقهما، فهل يتعارضان كما قاله ابن المقري أو تقدم بينة سالم كما قاله صاحب الأنوار أو بينة غانم كما استظهره شيخنا؟ أوجه، أظهرها آخرها.
فصل: في شروط القائف وبيان إلحاقه النسب بغيره: وذكر المصنف بعض أحكامه في بابي العدة واللقيط.
والقائف لغة متتبع الآثار، والجمع قافة كبائع وباعة. وشرعا: من يلحق النسب بغيره عند الاشتباه بما خصه الله تعالى به من علم ذلك. والأصل في الباب خبر الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي النبي (ص) مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا عليهما قطيفة قد غطيا بها رؤسهما وقد بدت أقدامهما فقال إن هذه الاقدام بعضها من بعض؟ فإقراره (ص) على ذلك يدل على أن القافة حق. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: فلو لم يعتبر قوله لمنعه من المجازفة، وهو (ص) لا يقر على خطأ ولا يسر إلا بالحق اه. وسبب سروره (ص) بما قاله مجزز أن المنافقين كانوا يطعنون في نسب أسامة لأنه كان طويلا أسود أفنى الانف، وكان زيد قصيرا بين السواد والبياض أخنس الانف، وكان طعنهم مغيظة له (ص) إذ كانا حبيه، فلما قال المدلجي ذلك وهو لا يرى إلا أقدامهما سر به، نقله الرافعي عن الأئمة. وقال أبو داود: إن زيدا كان أبيض. وروى ابن سعد أن أسامة كان أحمر أشقر وزيد مثل الليل الأسود.
وروى مالك: أن عمر دعا قائفين في رجلين تداعيا مولودا، وشك أنس في مولود له فدعا له قائفا، رواه الشافعي رضي الله تعالى عنه. وبقولنا قال مالك وأحمد، وخالف أبو حنيفة وقال: لا اعتبار بقول القائف. وهو محجوج بما مر.
وفي عجائب المخلوقات عن بعض التجار أنه ورث من أبيه مملوكا أسود شيخا، قال: فكنت في بعض أسفاري راكبا على بعير والمملوك يقوده فاجتاز بنا رجل من بني مدلج فأمعن فينا نظره ثم قال: ما أشبه الراكب بالقائد قال: فرجعت إلى أمي فأخبرتها بذلك، فقالت: إن زوجي كان شيخا كبيرا ذا مال ولم يكن له ولد فزوجني بهذا المملوك فولدتك ثم فكني واستلحقك. وكانت العرب تلحق بالقيافة وتفخر بها وتعدها من أشرف علومها، وهي الفراسة، غرائز في الطباع يعان عليها المجبول ويعجز عنها المصروف عنها. وللقائف شروط شرع المصنف في ذكرها بقوله: (شرط القائف) أي شروطه (مسلم) فلا يقبل من كافر، (عدل) فلا يقبل من فاسق لأنه حاكم أو قاسم.
تنبيه: كان الأولى أن يقول إسلام، وكذا ما بعده فيأتي المصدر، لأن الشرط هو الاسلام لا الشخص، ومر التنبيه على ذلك في كتاب القضاء. وعبارة المحرر: أن يكون مسلما وهو حسن. وأهمل المصنف كونه بصيرا ناطقا وانتفاء العداوة عن الذي ينفيه عنه وانتفاء الولاء عمن يلحقه به، فلو عبر بأهلية الشهادة كما في الروضة لكان أخصر وأعم،