الزركشي: أنه خلاف المنصوص عليه في الام (ولا جلد في) مرض أو (حر وبرد مفرطين) أي شديدين، بل يؤخر إلى البرء واعتدال الوقت خشية الهلاك، وكذا القطع في السرقة، بخلاف القصاص وحد القذف.
تنبيه: لو كان في بلاد لا ينفك حرها أو بردها لم يؤخر ولم ينقل إلى البلاد المعتدلة كما قاله الماوردي والروياني لما فيه من تأخير الحد ولحوق المشقة، وقوبل إفراط الحر والبرد بتخفيف الضرب ليسلم من القتل كما في المرض الملازم (وإذا جلد الإمام في مرض أو حر وبرد) مفرطين فمات المجلود سراية (فلا ضمان على النص) في الام لأن التلف حصل من واجب أقيم عليه. فإن قيل: لو ختنه في حر أو برد مفرط ضمن كما نص عليه في المختصر، فهلا كان هنا كذلك؟
أجيب بأن الجلد ثبت بالنص، والختان بالاجتهاد فأشبه التعزير، واقتصار المصنف على عدم الضمان في الحر والبرد والمرض قد يشعر بوجوبه إذا كان الزاني نضو الخلق لا يحتمل السياط فجلده بها فمات وهو الظاهر كما قاله الزركشي لأن جلد مثله بالعثكال لا بالسياط، وحكي في الكفاية عن القاضي أبي الطيب عدم الضمان، وخرج بالإمام السيد فلا يضمن رقيقه جزما (فيقتضي) نص الام (أن التأخير مستحب) وهو ما قاله الإمام، لكن صحح في زيادة الروضة وجوب التأخير سواء أقلنا بالضمان أم لا. قال الأذرعي: وهو المجزوم به في الحاوي والمهذب وغيرهما.
خاتمة: للمقتول حدا بالرجم أو غيره حكم موتى المسلمين من غسل وتكفين وصلاة وغيرها كتارك الصلاة إذا قتل، ولأنه صلى الله عليه وسلم صلى على الجهنية، وأمر بالصلاة على الغامدية ودفنها، وفي رواية صلى هو عليها أيضا.
كتاب حد القذف وهو بمعجمة: لغة الرمي، والمراد به هنا الرمي بالزنا في معرض التعيير، ليخرج الشهادة بالزنا فلا حد فيها إلا أن يشهد به دون أربعة كما سيأتي، وهو من الكبائر الموبقات، ففي الحديث: من السبع الموبقات قذف المحصنات سواء في ذلك الرجل والمرأة. روي أن النبي (ص) قال: قذف المحصنة يحبط عمل مائة سنة واستغنى المصنف ببيان القذف في اللعان عن إعادته هنا. والحد شرعا عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى كما في الزنا، أو لآدمي كما في القذف. وسميت الحدود حدودا، لأن الله تعالى حدها وقدرها، فلا يجوز لاحد أن يتجاوزها. قال الله تعالى * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) *، وقيل سميت بذلك لأن الحد في اللغة: المنع، وهي تمنع من الاقدام على الفواحش. والأصل في الباب قوله تعالى * (والذين يرمون المحصنات) * الآية، وصح أنه (ص) لما نزلت براءة عائشة رضي الله تعالى عنها جلد من قذفها، والحكمة في وجوب الحد بالقذف دون التساب بالكفر أن المسبوب بالكفر قادر على أن ينفي عنه ذلك بكلمة الشهادتين، بخلاف الزاني فإنه لا يقدر على نفي الزنا عنه، وللقاذف شروط ذكرها المصنف بقوله: (شرط حد القاذف) أي المحدود بسبب القذف (التكليف) فلا حد على صبي ومجنون لرفع القلم عنهما، وعدم حصول الايذاء بقذفهما، وزاد على المحرر قوله: (إلا السكران) فإنه مستثنى عنده من التكليف، ومع ذلك يحد، ولم يذكره في الروضة، هذا وقد مر الكلام على ذلك في كتاب الطلاق (والاختيار) فلا حد على مكره - بفتح الراء - لرفع القلم عنه ولأنه لم يقصد الأذى بذلك لاجباره عليه، ولا على مكره بكسرها، والفرق بينه وبين القتل أنه يمكنه جعل يد المكره كالآلة له بأن يأخذ يده فيقتل بها، ولا يمكنه أن يأخذ لسان غيره فيقذف به.