لا بأس بها، وقول المحكوم عليه الموكل في الخصومة: كنت عزلت وكيلي قبل قيام البينة لا يبطل الحكم، لأن القضاء على الغائب جائز، بخلاف المحكوم له إذا قال ذلك يبطل الحكم لأن القضاء للغائب باطل. وليس لمن تحمل شهادة بكتاب حكمي أرسله به القاضي الكاتب إلى قاضي بلد الغائب وخرج به أن يتخلف في الطريق عن القاضي المقصود إلا إن أشهد على شهادته بأن أشهد على نفسه شاهدين يحضران بالكتاب ويشهدان به عند القاضي المقصود أو شهد به عند قاض فيضمنه ويكتب به للقاضي المقصود، فإن لم يجد قاضيا ولا شهودا وطلب أجرة لخروجه إلى القاضي المقصود لم يعط غير النفقة وكراء الدابة، بخلاف سؤاله الأجرة قبل الخروج من بلد القاضي الكاتب فيعطاها، وإن زادت على ما ذكر فإنه لا يكلف الخروج والقناعة بذلك، لأن القاضي يتمكن من إشهاد غيره، وهنا التحمل مضطر إليه. وإن استوفى المكتوب إليه الحق من الخصم وسأله الخصم الاشهاد على المدعي بذلك لزمه إجابته، ولا يلزمه أن يكتب له كتابا، لأن الحاكم إنما يطالب بإلزام ما حكم به وثبت عنده، ولا أن يعطيه الكتاب الذي ثبت به الحق كما لا يلزم من استوفى من غريمه ماله عليه بحجة أو من باع غيره شيئا له به حجة أن يعطيه الحجة لأنها غالبا تكون ملكه، ولأنه قد يظهر استحقاقه فيحتاج إليها. وللقاضي إقراض مال للغائب من ثقة ليحفظه في الذمة، وله بيع حيوانه لخوف هلاكه ونحوه كغصبه، وله إجارته إن أمن عليه لأن المنافع تفوت بمضي الوقت. وإذا باع شيئا للمصلحة أو أجره بأجرة مثله ثم قدم الغائب فليس له الفسخ كالصبي إذا بلغ، ولان ما فعله القاضي كان بنيابة شرعية. ومال من لا ترجى معرفته للقاضي بيعه وصرف ثمنه في المصالح وله حفظه، قال الأذرعي: والأحوط في هذه الاعصار صرفه في المصالح لا حفظه لأنه يعرضه للنهب ومد أيدي الظلمة إليه.
باب القسمة بكسر القاف، وهي تمييز بعض الانصباء من بعض. والقسام الذي يقسم الأشياء بين الناس، قال لبيد:
فارض بما قسم المليك فإنما قسم المعيشة بيننا قسامها ووجه ذكرها في خلال القضاء أن القاضي لا يستغني عن القسامة للحاجة إلى قسمة المشتركات، بل القاسم كالحاكم فحسن الكلام في القسمة مع الأقضية. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (وإذا حضر القسمة) * الآية، وخبر: الشفعة فيما لم يقسم، وكان (ص) يقسم الغنائم بين أربابها رواهما الشيخان. والحاجة داعية إليها ليتمكن كل واحد من الشركاء من التصرف في ملكه على الكمال ويتخلص من سوء المشاركة واختلاف الأيدي. (قد يقسم) المشترك (الشركاء) بأنفسهم لأن الحق لهم، (أو) يقسمه (منصوبهم) أي وكيلهم، (أو منصوب الإمام) أو هو نفسه أو المحكم، لحصول المقصود بكل من ذلك.
تنبيه: لو وكل بعضهم واحدا منهم أن يقسم عليه، قال في الاستقصاء: إن وكله على أن يفرز لكل منهم نصيبه لم يجز، لأن على الوكيل أن يحتاط لموكله، وفي هذا لا يمكنه لأنه يحتاط لنفسه، وإن وكله على أن يكون نصيب الوكيل والموكل جزءا واحدا جاز لأنه يحتاط لنفسه ولموكله، وإن وكل جميع الشركاء أحدهم أن يقسم عنهم ويرى فيما يأخذه بالقسمة لكل واحد منهم رأيه لم يجز، ولا يجوز حتى يوكل كل واحد منهم وكيلا عن نفسه على الانفراد. (وشرط منصوبه) أي الإمام، (ذكر حر عدل) لأنه يلزم كالحاكم من حيث أن الحاكم ينظر في الحجة ويجتهد، ثم يلزم بالحكم كذلك القسام أيضا مساحة وتقديرا، ثم يلزم بالافراز لأن ذلك ولاية ومن لا يتصف بما ذكر ليس من أهل الولايات.
تنبيه: اعتبر في المحرر التكليف، وحذفه المصنف لدخوله في العدالة كدخول الاسلام فيها. ولو قال بدل عدل