قال الأذرعي: وقس بهذا ما يشبهه. (وكذا إن لم يخص) كلا من القاضيين بما ذكر بل عمم ولايتهما، فيجوز (في الأصح) كنصب الوصيين والوكيلين، وحكاه في البحر عن النص، ونسبه الماوردي إلى الأكثرين. والثاني:
لا يجوز، وصححه الإمام والغزالي وابن أبي عصرون. (إلا أن يشرط اجتماعهما على الحكم) فلا يجوز لما يقع بينهما من الخلاف في محل الاجتهاد فلا تنفصل الخصومات. وقضية هذا التعليل أنه لو ولى الإمام مقلدين لإمام واحد وقلنا تجوز ولاية المقلد أنه يجوز وإن شرط اجتماعهما على الحكم لأنه لا يؤدي إلى اختلاف لأن إمامهما واحد. فإن قيل:
قد يكون للإمام الواحد قولان فيرى أحدهما العمل بقول والآخر بخلافه فيؤدي إلى النزاع والاختلاف. أجاب الشيخ برهان الدين الفزاري بأن كلا منهما إنما يحكم بما هو الأصح من القولين، وهو كما قال ابن شهبة ظاهر في المقلد الصرف، وعند تصريح ذلك الإمام بتصحيح أحد القولين، أما إذا كانا من أهل النظر والترجيح وإلحاق ما لم يقفا فيه على نص من أئمة المذهب بما هو منصوص وترجيح أحد القولين، فههنا يقع النزاع في ذلك والاختلاف ويختلف النظر فيتجه المنع أيضا، أما إذا أطلق بأن لم يشرط استقلالهما ولا اجتماعهما فإنه يحمل على إثبات الاستقلال تنزيلا للمطلق على ما يجوز. ويفارق نظيره في الوصيين بأن تعيينهما بشرط اجتماعهما على التصرف جائز. فحمل المطلق عليه بخلاف القاضيين. وإن طلب القاضيان خصما بطلب خصميه له منهما أجاب السابق منهما بالطلب، فإن طلباه معا أقرع بينهما، وإن تنازع الخصمان في اختيار القاضيين أجيب الطالب للحق دون المطلوب كما جزم به الروياني، فإن تساويا بأن كان كل منهما طالبا ومطلوبا كتحاكمهما في قسمة ملك أو اختلفا في قدر ثمن مبيع أو صداق اختلافا يوجب تخلفهما تحاكما عند أقرب القاضيين إليهما، فإن استويا في القرب إليهما عمل بالقرعة، ولا يعرض عنهما حتى يصطلحا لئلا يؤدي إلى طول النزاع.
تنبيه: ما ذكره المصنف من نصب القاضيين يجري أيضا في أكثر من قاضيين، قال الماوردي والروياني:
بشرط أن يقل عددهم، فإن كثر لم يصح قطعا، ولم يحدوا القلة والكثرة بشئ. قال في المطلب: ويجوز أن يناط ذلك بقدر الحاجة اه. وهذا ظاهر.
تتمة: قال الماوردي: ولو قلده - أي الإمام - بلدا وسكت عن نواحيها، فإن جرى العرف بإفرادها عنها لم تدخل في ولايته، وإن جرت بإضافتها دخلت، وإن اختلف العرف روعي أكثرها عرفا، فإن استويا روعي أقربهما عهدا.
فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله أو انعزاله: (جن قاض) أطبق جنونه أو تقطع كما يقتضيه إطلاقهم.
وفي الروضة كأصلها في باب البغاة عن الماوردي: أن الإمام لو تقطع جنونه وزمن الإفاقة أكثر بحيث يمكنه فيه القيام بالأمور أنه لا ينعزل. قيل: وقياسه في القاضي كذلك، وسيأتي الفرق بين الإمام والقاضي. (أو أغمي عليه أو عمي) وفي معنى العمى الخرس والصمم. (أو ذهبت أهلية اجتهاده وضبطه بغفلة أو نسيان) مخل بالضبط، (لم ينفذ حكمه) في حال مما ذكر لانعزاله بذلك، ولأن هذه الأمور تمنع من ولاية الأب فالحاكم أولى.
تنبيهات: أحدها: يستثنى من عدم نفوذ قضاء الأعمى ما لو سمع البينة وتعليلها ثم عمي فإن قضاءه ينفذ في تلك الواقعة إن لم يحتج إلى إشارة فكأنه إنما انعزل بالنسبة إلى غير هذه الواقعة، بل لو عاد بصره تبين أنه لم ينعزل لأنه لو ذهب لما عاد كما مر ذلك في الجنايات. والثاني: قوله: ذهبت أهلية اجتهاده ظاهر في أن الكلام في المجتهد المطلق، أما المقلد لمذهب معين إذا كان مجتهدا فيه فإذا خرج عن أهلية الاجتهاد فيه قال الأذرعي: فحكمه كذلك وأولى، قال: ومن لم يبلغ هذه الرتبة وهو الموجود اليوم غالبا فلم أر فيه شيئا. ويشبه أنه إذا حصل له أدنى تغفل ونحوه لم ينفذ حكمه لانحطاط رتبته فيقدح في ولايته ما عساه يغتفر في حق غيره. الثالث: المرض المعجز له عن النهضة، والحكم ينعزل به إذا كان لا يرجى زواله، فإن رجي