في موات يذبون عنه، لا فيما لا يذبون عنه وإن أحيوه إلا إن شرط عليهم أن يؤخذ ذلك مما يحيونه، وإن ضربناه على أن الأرض لنا ويسكنونها ويؤدون كل سنة عن كل جريب كذا فالمأخوذ منهم أجرة، لأن ذلك عقد إجارة فلا يسقط بإسلامهم، ولا يشترط فيه أن يبلغ دينارا والجزية باقية فتجب مع الأجرة، ولا يجوز لهم بيع الأرض ولا هبتها، ولهم إجارتها، لأن المستأجر يؤجر ويؤخذ ذلك من أرض النساء والصبيان وغيرهم ممن لا جزية عليه، لأنه أجرة.
فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر (يلزمنا) بعد عقد الذمة الصحيح للكفار (الكف عنهم) نفسا ومالا وخلاص من أسر منهم، واسترجاع ما أخذ من أموالهم كما صرح به في الروضة وأصلها، والكف عن خمورهم وخنازيرهم وسائر ما يقرون عليه ما لم يظهروه بيننا، لأن الله تعالى غيا قتالهم بالاسلام أو ببذل الجزية، والاسلام يعصم النفس والمال وما ألحق به فكذا الجزية. وروى أبو داود خبر: من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة (و) يلزمنا (ضمان ما نتلفه عليهم نفسا ومالا) أي يضمنه المتلف منا كما يضمن مال المسلم ونفسه، لأن ذلك فائدة عقد الذمة، واحترز بالمال عن الخمر والخنزير، فمن أتلف شيئا من ذلك لا ضمان عليه سواء أظهره أم لا، لكن من غصبه يجب عليه رده عليهم ومؤنة الرد على الغاصب ويعصى بإتلافها إلا إن أظهروها، وتراق خمر مسلم اشتراها منهم وقبضها ولا ثمن عليه، لأنهم تعدوا بإخراجها إليه، ولو قضى الذمي دين مسلم كان له عليه بثمن خمر أو نحوه حرم على المسلم قبوله إن علم أنه ثمن ذلك لأنه حرام في عقيدته، وإلا لزمه القبول، وما اقتضاه كلام الروضة في نكاح المشرك من أنه لا يحرم قبوله مع العلم مردود.
تنبيه: قوله نفسا ومالا منصوبان على التمييز من الكف وحذفا من قوله وضمان ما نتلفه لدلالة ما سبق، والتمييز إذا علم جاز حذفه، ولا يجوز أن يكون الكف وضمان من تنازع العاملين، لأنك إن أعملت الأول منهما أضمرت في الثاني فيلزم وقوع التمييز معرفة، وإن أعملت الثاني لزم الحذف من الأول لدلالة الثاني وهو ضعيف ويلزمنا استنقاذ من أسر منهم واسترجاع ما أخذ من أموالهم. (و) يلزمنا (دفع أهل الحرب) وغيرهم (عنهم) إذا كانوا في بلاد المسلمين لأنه لا بد من الذب عن الدار، ومنع الكفار من طروقها (وقيل إن انفردوا ببلد) بجوار دار الاسلام كما قيده في الروضة (لم يلزمنا الدفع) عنهم كما لا يلزمهم الذب عنا عند طروق العدو لنا، والأصح اللزوم إن أمكن إلحاقا بأهل الاسلام في العصمة والصيانة. أما المستوطنون بدار الحرب إذا بذلوا الجزية وليس معهم مسلم، فلا يلزمنا الدفع عنهم جزما إلا إن شرط الذب عنهم هناك فلزمنا وفاء بالشرط، فإن لم ندفع عنهم حيث لزمنا ذلك فلا جزية لمدة عدم الدفع. فإن ظفر الإمام ممن أغار عليهم وأخذ أموالهم رد عليهم ما وجد من أموالهم، ولا يضمنون ما أتلفوه إن كانوا حربيين كما لو أتلفوا مالنا (ونمنعهم) وجوبا (إحداث كنيسة) وبيعة وصومعة للرهبان، وبيت نار للمجوس (في بلد أحدثناه) كبغداد والكوفة والبصرة والقاهرة، لما رواه أحمد بن عدي عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله (ص) قال لا تبنى كنيسة في الاسلام ولا يجدد ما خرب منها وروى البيهقي أن عمر رضي الله تعالى عنه لما صالح نصارى الشام كتب إليهم كتابا إنهم لا يبنون في بلادهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا صومعة راهب ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس أيضا ولا مخالف لهما من الصحابة، ولان إحداث ذلك معصية، فلا يجوز في دار الاسلام. فإن بنوا ذلك هدم، سواء أشرط ذلك عليهم أم لا، ولو عاقدهم الإمام على التمكن من إحداثها فالعقد باطل (أو) بلد (أسلم أهله عليه) كالمدينة الشريفة واليمن، فإنهم يمنعون أيضا مما ذكر لما مر.
تنبيه: لو وجدت كنائس أو نحوها فيما ذكر وجهل أصلها بقيت لاحتمال أنها كانت في قرية أو برية فاتصل بها عمران ما أحدث منا بخلاف ما لو علم إحداث شئ منها بعد بنائها فإنه يلزمنا هدمه. هذا إذا بني ذلك للتعبد فإن بني لنزول المارة نظر، إن كان لعموم الناس جاز، وإن كان لأهل الذمة فقط فوجهان: جزم صاحب الشامل منهما