وقال: إن رسول الله (ص) أمر أن أضحي عنه، فأما أضحي عنه أبدا لكنه من رواية شريك القاضي وهو ضعيف. وقدمنا أنه إذا ضحى عن غيره يجب عليه التصدق بجميعها، وقيل تصح التضحية عن الميت وإن لم يوص بها، لأنها ضرب من الصدقة، وهي تصح عن الميت وتنفعه، وتقدم في الوصايا أن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري أحد أشياخ البخاري ختم عن النبي (ص) أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه بمثل ذلك.
فصل في العقيقة: من عق يعق بكسر العين وضمها، وهي في اللغة اسم للشعر الذي على المولود حين ولادته، وشرعا ما يذبح عند حلق شعره تسمية للشئ باسم سببه، ولان مذبحه يعق، أي يشق ويقطع، ومقتضى كلامهم والاخبار أنه لا يكره تسميتها عقيقة، لكن روى أبو داود أنه (ص) قال للسائل عنها: لا يحب الله العقوق فقال الراوي: كأنه كره الاسم، ويوافقه قول ابن أبي الدم: قال أصحابنا يستحب تسميتها نسيكة أو ذبيحة ويكره تسميتها عقيقة، كما يكره تسمية العشاء عتمة. ويدخل وقتها بانفصال جميع الولد، ولا تحسب قبله بل تكون شاة لحم، وهي سنة مؤكدة للاخبار الآتية: قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: أفرط في العقيقة رجلان : الحسن قال إنها بدعة، والليث قال إنها واجبة، ثم لما نشأ داود بعد الشافعي وافق الليث، والحجة عليهما حديث أبي داود:
من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل ولأنها إراقة دم بغير جناية ولا نذر فلم تجب كالأضحية، والمعنى فيه إظهار البشر بالنعمة ونشر النسب، والأصل في استحبابها أخبار كخبر: الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى وكخبر: أنه (ص) أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق رواهما الترمذي. وقال في الأول حسن صحيح، وفي الثاني حسن، ومعنى مرتهن بعقيقته قيل لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه.
قال الخطابي: وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل: أنه إذا لم يعق عنه لم يشفع في والديه يوم القيامة، ونقله الحليمي عن جماعة متقدمة على أحمد. (يسن) لمن تلزمه نفقة فرعه بتقدير فقره (أن يعق عن) مولود (غلام بشاتين) متساويتين (و) عن (جارية بشاة) لخبر عائشة رضي الله تعالى عنها أمرنا رسول الله (ص) أن نعق عن الغلام بشاتين، وعن الجارية بشاة رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وإنما كانت الأنثى على النصف تشبيها بالدية، لأن الغرض منها استبقاء النفس. ويتأدى أصل السنة عن الغلام بشاة واحدة لما روى أبو داود بإسناد صحيح:
أنه (ص) عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا وكالشاة سبع بدنة أو بقرة، فلو ذبح بدنة أو بقرة عن سبعة أولاد، أو اشترك جماعة فيها جاز سواء أرادوا كلهم العقيقة أو بعضهم العقيقة وبعضهم اللحم، قاله في المجموع، وكالأنثى والخنثى كما قاله الأسنوي، وتتعدد العقيقة بتعدد الأولاد كما هو قضية كلام المجموع. فإن قيل: قد عق النبي (ص) عن الحسن والحسين، وقد قلتم إنها إنما تسن لمن تلزمه نفقة المولود؟. أجيب بأن المراد بعقه (ص) أنه أمر أباهما بذلك، أو أعطاه ما عق به أو أنهما كانا في نفقة جدهما (ص) لعسر أبويهما.
أما من مال المولود فلا يجوز للولي أن يعق عنه من ذلك، لأن العقيقة تبرع وهو ممنوع منه من مال المولود، فإن فعل ضمن كما نقله في المجموع عن الأصحاب. قال الأذرعي: وإطلاقهم استحباب العقيقة لمن تلزمه نفقة الولد يفهم أنه يستحب للام أن تعق عن ولدها من زنا، وفيه بعد لما فيه من زيادة العار، وأنه لو ولدت أمته من زنا أو زوج معسر، أو مات قبل عقه استحب للسيد أن يعق عنه وليس مرادا.
تنبيه: لو كان الولي عاجزا عن العقيقة حين الولادة ثم أيسر بها قبل تمام السابع استحبت في حقه، وإن أيسر بها بعد السابع مع بقية مدة النفاس: أن أكثره كما قاله بعض المتأخرين لم يؤمر بها، وفيما إذا أيسر بها بعد السابع في مدة النفاس تردد للأصحاب، ومقتضى كلام الأنوار ترجيح مخاطبته بها. ولا يفوت على الولي الموسر بها حتى يبلغ الولد، فإن بلغ سن أن يعق عن نفسه تداركا لما فات، وما قيل أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد