تنبيه: محل نبشه إذا لم يتهر، فإن تهرى ترك، ولا يجري هذا الحكم في حرم المدينة لاختصاص حرم مكة بالنسك، وثبت أنه (ص) أدخل الكفار مسجده، وكان ذلك بعد نزول براءة، فإنها نزلت سنة تسع وقدم الوفد عليه سنة عشر وفيهم وفد نصارى نجران، وهم أول من ضرب عليهم الجزية فأنزلهم مسجده وناظرهم في أمر المسيح وغيره. (وإن مرض في غيره) أي غير حرم مكة (من الحجاز وعظمت المشقة في نقله) سواء خيف مع ذلك موته أم لا (ترك) مراعاة لأعظم الضررين لأنه يجوز دخوله في الجملة (وإلا) بأن لم تعظم المشقة فيه (نقل) مراعاة لحرمة الدار (فإن مات) فيه (وتعذر نقله) إلى الحل لتقطعه مثلا (دفن هناك) للضرورة، فإن لم يتعذر لم يدفن هناك، فإن دفن ترك.
تنبيه: ما ذكر في الذمي، أما الحربي أو المرتد فلا يدفن فيه، بل تغرى الكلاب على جيفته، فإن تأدى الناس بريحه ووري كالجيفة. ثم شرع في الركن الخامس وهو المال مترجما له بفصل فقال:
فصل: (أقل الجزية دينار لكل سنة) عن كل واحد، لما رواه الترمذي وغيره عن معاذ: أنه (ص) لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم دينار أو عدله من المعافر وهي ثياب تكون باليمن.
تنبيه: ظاهر الخبر أن أقلها دينارا أو ما قيمته دينار، وبه أخذ البلقيني والمنصوص الذي عليه الأصحاب كما هو ظاهر عبارة المصنف أن أقلها دينار، وعليه إذا عقد به جاز أن يعتاض عنه ما قيمته دينار، وإنما امتنع عقدها بما قيمته دينار لأن قيمته قد تنقص عنه آخر المدة، ومحل كون أقلها دينارا عند قوتنا، وإلا فقد نقل الدارمي عن المذهب أنه يجوز عقدها بأقل من دينار، نقله الأذرعي وقال: إنه ظاهر متجه وقضية كلام المصنف تعلق الوجوب بانقضاء السنة. وقال القفال: اختلف قوم الشافعي في أن الجزية تجب بالعقد وتستقر بانقضاء الحول أو تجب بانقضاء وبنى عليهما إذا مات في أثناء الحول هل تسقط؟ فإن قلنا بالعقد لم تسقط وإلا سقطت حكاه القاضي الحسين في الاسرار، ولا حد لأكثر الجزية. (ويستحب للإمام مماكسة) أي مشاححة الكافر العاقد لنفسه أو لموكله في قدر الجزية حتى يزيد على دينار، بل إذا أمكنه أن يعقد بأكثر منه لم يجز أن يعقد بدونه إلا لمصلحة، ويسن أن يفاوت بينهم (حتى يأخذ من متوسط دينارين، و) من (غني أربعة) ومن فقير دينارا اقتداء ب عمر رضي الله تعالى عنه كما رواه البيهقي عنه، ولان الإمام متصرف للمسلمين فينبغي أن يحتاط لهم وللخروج من الخلاف، فإن أبا حنيفة لا يجيزها إلا كذلك.
تنبيه: هذا بالنسبة إلى ابتداء العقد، فأما إذا انعقد العقد على شئ فلا يجوز أخذ شئ زائد عليه كما نص عليه في سير الواقدي ونقله الزركشي عن نص الام وأطلق الشيخان استحباب المماكسة، فأخذ شيخنا من الاطلاق أن المماكسة كما تكون في العقد تكون في الاخذ واستدل بقول الأصحاب: يستحب للإمام المماكسة حتى يأخذ من الغنى إلخ وهذا لا يصلح دليلا لذلك لأن قولهم حتى يأخذ: أي إذا ماكسهم في العقد فيأخذ إلخ، فإن أبى الكافر عقدها إلا بدينار أجيب لأنه الواجب ومعلوم مما مر أن السفيه لا يماكس هو ولا وليه لأنه لا يصح عقده بأكثر من دينار. (ولو عقدت) للكفار ذمة (بأكثر) من دينار (ثم علموا) بعد العقد (جواز دينار لزمهم ما التزموه) كمن اشترى شيئا بأكثر من ثمن مثله ثم علم الغبن (فإن أبوا) بذل الزيادة بعد العقد (فالأصح أنهم ناقضون) للعهد كما لو امتنعوا من أداء أصل الجزية فيبلغون المؤمن كما سيأتي. والثاني لا ويقنع منهم بالدينار كما يجوز ابتداء العقد به وعلى الأول لو بلغوا المأمن، ثم عادوا وطلبوا العقد بدينار أجيبوا إليه كما لو طلبوه أولا.