والفتح مصدر ضاق الشئ، وبالفتح جمع الضيقة، وهو الفقر وسوء الحال. وإنما اعتبر ذلك لأنه لا يمكن فيه التوصل إلى اليقين، بل يكفي الاعتماد فيه على ما تدل عليه القرائن من حاله، ويعرف ذلك بمراقبته في خلواته وحالة ضمها وما يظهر عليه من الاعسار بشدة صبره على الضرر والإضافة. ولا بد فيه من اعتبار الخبرة الباطنة كما ذكره في التفليس، وإنما لم يذكره هنا لأنه شرط لقبول شهادته لا لجواز إقدام الشاهد.
تتمة: لا يثبت دين باستفاضة لأنها لا تقع في قدره، كذا علله ابن الصباغ. قال الزركشي: ويؤخذ منه أن ملك الحصص من الأعيان لا يثبت بالاستفاضة، قال: وثبوت الدين بالاستفاضة قوي. وكان ينبغي للمصنف ترجيحه كما رجح ثبوت الوقف ونحوه بها ولا فرق بينهما. وما شهد به الشاهد اعتمادا على الاستفاضة يجوز الحلف عليه اعتمادا عليها بل أولى لأنه يجوز التحلف على خط الأب دون الشهادة.
فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك: وتطلق الشهادة على تحملها كشهدت بمعنى تحملت، وعلى أدائها كشهدت عند القاضي بمعنى أديت، وعلى المشهود به وهو المراد هنا، كتحملت شهادة يعني المشهود به، فيكون مصدرا بمعنى المفعول. (تحمل الشهادة فرض كفاية في النكاح) لتوقف الانعقاد عليه، ومثله ما يجب فيه الاشهاد لتوقف الانعقاد عليه، فلو امتنع الكل أثموا، ولو طلب من اثنين وثم غيرهما لم يتعينا، بخلاف ما إذا تحمل جماعة وطلب الأداء من اثنين وسيأتي الفرق بينهما. (وكذا الاقرار والتصرف المالي) وغيره كطلاق وعتق ورجعة، (وكتابة الصك) وهو الكتاب، فالتحمل في كل منها فرض كفاية (في الأصح) للحاجة إلى إثبات ذلك عند التنازع. وكتابة الصكوك يستعان بها في تحصين الحقوق، والمراد بها في الجملة لما مر أنه لا يلزم القاضي أن يكتب للخصم بما ثبت عنده أو حكم به، ولأنها لا يستغنى عنها في حفظ الحق والمال ولها أثر ظاهر في التذكر. والثاني: المنع، لصحة ما ذكر بدون إشهاد.
تنبيه: التقييد بالتصرف المالي لا معنى له، فإن الخلاف جار في غيره كما قدرته في كلامه كالطلاق، ولذلك أطلق في التنبيه أن تحمل الشهادة فرض كفاية. ثم على فرضية التحمل من طلب منه لزمه إذا كان مستجمعا لشرائط العدالة معتقدا لصحة ما يتحمله وحضره المتحمل، فإن لم يكن مستجمع الشروط فلا وجوب، قال القاضي: جزما . أو دعي للتحمل فلا وجوب إلا أن يكون الداعي معذورا بمرض أو حبس أو كان امرأة مخدرة أو قاضيا يشهده على أمر ثبت عنده فتلزمه الإجابة. قال البلقيني: محل كون التحمل فرض كفاية إذا كان المتحملون كثيرين، فإن لم يوجد إلا العدد المعتبر في الحكم فهو فرض عين كما جزم به الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما، وهو واضح جار على القواعد، وفي كلام الشافعي ما يقتضيه اه. ومحله أيضا في غير الحدود كما صرح به الماوردي لأنها تدرأ الشبهات. وهذه المسألة مكررة فإنها ذكرت في السير. ولا يلزم الشاهد كتابة الصك ورسم الشهادة إلا بأجرة فله أخذها كما له ذلك في تحمل إذا ادعي له كما سيأتي. وأجرة رسم الشهادة ليست داخلة في أجرة التحمل، وله بعد كتابته حبسه عنده للأجرة كالقصار في الثوب، وكتمان الشهادة حرام لآية: * (ولا تكتموا الشهادة) * ولأنها أمانة حصلت عنده فعليه أداؤها. (و) على هذا (إذا لم يكن في القضية إلا اثنان) بأن لم يتحمل سواهما أو مات غيرهما أو جن أو فسق أو غاب. وجواب إذا قوله:
(لزمهما الأداء) إن دعيا له، لقوله تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) *، أي للأداء، ولأنه يؤدي فرضا التزمه في ذمته. (فلو أدى واحد) منهما (وامتنع الآخر) بلا عذر، سواء كان بعد أداء صاحبه أم قبله، (وقال) للمدعي:
(احلف معه) عصى وإن كان القاضي يرى الحكم بشاهد ويمين، لأن من مقاصد الاشهاد التورع عن اليمين فلا يفوت عليه، وكذا لو امتنع شاهد رد لوديعة، وقالا له: احلف على ردها، عصيا. (وإن كان) في القضية ( شهود)